للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف يحمونها وقد ... جاءها كلّ سائح

وقوله: [البسيط]

ولاح كأس الثّريّا في مشارقه ... ملوّحا من شعاع ساطع ذهبا

وللبروق وميض في الغمام حكى ... تحت العجاج سيوف الناصر القضبا

له يد لا عدمناها يفيض بها ... بحر فلم ذا يباري جودها السّحبا

يد تلاقت يراعات بها وفتى ... أنّى تجارى وحازت ذلك القصبا

وحدّثني شيخنا أبو الحسن الكندي، عن بعض من خرج معه يوما، حين تقشّعت الحرور، وطفت نارها الشّعرى العبور، وبدا سهيل يزهر في الصباح كالقنديل، وأثمر كلّ غصن في جانح كلّ أصيل، وباكر الدهر بسرّائه، وكفّ بأس بأسائه، وتقدمت الشّتاء آلاؤه، وعطف تشرين فرقّ جوّه وماؤه، وطاب المقيل في برد أفيائه، وترقرقت على صفحات النهر دمعة أندائه، وأتى الخريف مخلّفا زرع الزعفران، ناشرا من ذهبيّاته مصبغات الألوان، والأترجّ كأنّه عاشق مدنف، والسّفرجل كأنّه وجل مخطّف، والرّمّان كأنّه من صافي الذهب أكر، والتفاح كأنّه جامد الراح أو خدود تلك الشجر، والنسيم قد كرّ من طراد أيلول وأتى مبشّرا بالغمام كذيل الغلالة المبلول، والأرض تتوقع الشتاء توقّع المأمول، وتنتظر الغيث انتظار المحبّ عود الرسول. والنّبت قد صحت مقل نرجسه، ولم يبق منها ناظر إلّا (١١٦) وهو بالطّلّ مكحول.

إنه لما رأى تلك المحاسن الأشتات، اهتزّ إعجابا بفصل الخريف، وما جمع منها زمانه، وأبدع في تأليف ألوانها أوانه، فقال: [الكامل]

رقّ النّهار وراقت الأنهار ... وسرى النسيم وغنّت الأطيار

وأتى الخريف مبشّرا بصبوحه ... فتخلّقت لقدومه الأشجار

<<  <  ج: ص:  >  >>