حانوت معلّمه، فمذ رآه افترّ له بمبسمه، فأراد أن يجلس إليه فأشار إليه ألّا يفعل، فعلق قلبه برحم إيمائه، وقوي طمعه في الوصول إلى نجم سمائه، وكان الغلام قد خاف معلّمه لأنّه كان به مفتونا لا يكفّ عنه نظرا، ولا يبصر غيره ولا يرى، وكان المعلّم وهو الذي راض جامح ذلك الغلام، وعلّمه أن يرمي بطرفه تلك السّهام، فانصرف عنه وهو يقول:[المنسرح]
أقصد حانوته فيغمزني ... أن لا تقف عندنا لتهتكنا
فإنّ هذا معلّمي رجل ... قد لاط قسطا من عمره وزنا
لا جمّل الله من معلّمه ... بالسّتر عرقا إن مات أو دفنا
علّمه صنعة يعيش بها ... معه، وأخرى بها أموت أنا
قلت، وقد سكّن (معه) في هذا البيت وهو معيب. وكان شيخنا شهاب الدين محمود رحمه الله يقول: قلّ أن نهضت قافية مقيّدة، أو عمّر بيت سكّنت فيه مع.
قلت: وفي قول شيخنا هذا مطلقا نظر، و (مع) ، الساكنة مع غير ضمير أخفّ منها ساكنة مع الضمير. ثمّ نرجع إلى تتمّة شعره فنقول، ومنه قوله:[الطويل]
ألقت هواي في هواكم فراضني ... فلم يبق لي نفس تخالف عن أمري
وقد كنت ذا صبر على ما ينوبني ... فعلّمني هجرانكم قلّة الصّبر
وقوله:[السريع]
لما بدا الشّعر على سالفيه ... سعى به من كان يسعى إليه
(١٧٧) ما عاينت من قبله مقلتي ... بدرا عراه النّقص من جانبيه