مقدمه، واصفا خالص خدمه، قال: حدثني الرشيد، ما سأذكر أنا معناه، وهو أنه لما مرّ بحماة، في مقدمه إلى دمشق، مدح طائفة من كبرائها المتّصلين بخدمة صاحبها الملك المظفر، منهم: ابن قرناص، كاتب سره، وصاحب أمره بأسره، وأراد منه أن يوصله إلى صاحبه لينشده مديحا عمله فيه، قاطع عليه الكرى، وأشبه به النجوم إلا في السّرى، حتى جاء به روضا ما سقته إلا سحب القرائح التي تشب لهبا، وتصب ذهبا، فعلّق أمله بالوعد ومنعه، فلم يصل إليه إلا فيما بعد. فلما رأى أن وعده لا يثمر، وأن قصده لا يظهر منه إلا خلاف ما يضمر، عدل إلى كستغدي أستاذ الدار «١» وكان ممن لا يخيّب المرجو، ولا يقطع رحم الأدب المرجو، لأخذه بحظّ من الفضائل لا تنقص، ولا يعرف الذهب ما لم يخلص، فلما أنزل به مقصده، أنشده:«٢»[الكامل]
ولقد ركبت هجين عزم ساقه ... مني الرجاء إلى الأعزّ الأبلج «٣»
(٢١٢) ملك توعّره جنود حوله ... كالروض بات مسيّجا بالعوسج
فلما دخل على الملك المظفر، أوصل إليه جليّة خبره، وأنشده البيتين بما فيهما من وخز إبره، وابن قرناص حاضر يسمع، ناطر يتوقع ما يصنع، فأمر بإحضاره، فأحضر في الحال، واستنشده البيتين، فقال: ولقد ركبت هجين عزم ساقه (البيت) ثم اهتدم البيت الثاني فقال: [الكامل]
ملك تزان به جنود حوله ... كالروض بات مسيجا ببنفسج «٤»