ثم إنه كتب الإنشاء في الممالك، وتنقل بمصر ودمشق، ثم أبى حمل المشق.
كان قد أفرد للكتابة في مجلس الوزارة بدمشق، والمتحدث إذ ذاك، الصاحب شمس الدين عبد الله المعروف بغبرال، فأمره يوما بكتابة كتاب، فضمنه شيئا (٢٢٠) من الصناعة التي لا عهد بها لمن كتبت عنه، وقرأ ما فيها فلم يستبينه، فأنكر ما لم يحط به علمه، ولا تصوره فهمه، فسأله عن موضع منها كالمستفسر، فظنه كالمستنفر، فركب القفار يضربها أذرعا في أذرع، ويودع منها أربعا في أربع، وظنّ أنه قد تفلّت من يده تفلّت المملق من يد الغريم المقلق، وتقحّم مهالك بحار الرياح في قطعها، ومهاوي لا تكتحل جفن الغزالة، ينقعها بتلاعب يد الإقتار، ويقذف به في الفجاج البعيدة الأقطار، إلى أن نزل بالملك المؤيد صاحب اليمن، في بحبوحة مجد، وأرجوحة جد، وسعادة أراشت جناحه المحصوص، وأطارت طائره المقصوص.
ثم ضاقت به تلك الرحاب، ونغصت إليه تلك المحاب، لأمراض تناوبت بنيه، وأعراض هدّت مبانيه، فسيرهم من طريق لاقاهم إليه، إلى مكان لم يخلف لهم فيه موعدا، ولا تجاوزه مبعدا، إلى أن حلّ حضرة صنعاء متذمما بإمامها، وطالبا منه صنيعة يتمسك بذمامها، فوجد لديه إكراما، وحواليه لاقى كراما.
ثم وجه على طريق السراة ميمما مكة المعظمة، فوافاها والموسم قد أقمرت لياليه، ورقمت خدود الأيام غواليه، فحضر الموسم وشهد أيامه المعلومات، ولياليه الرافلة حلله المرقومات. وقد التقى كلّ ذي دين وماطله، وهدت به سنابك اليمن وأياطله، ثم قصد الباب الشريف النّاصري، فلقي برّا بحسن الخلف، وحلما لا يؤاخذ بما سلف، وأمر باستخدامه، ثم تنقل في مصره وشامه،