الطّوال، وحاربت في جوّ النّسور العوال، فكأنها كانت لتلك القصائد كامنة، لتلك (٢٦٧) السبع المعلّقات ثامنة، بل ما أتت بعد تلك السبع الشّداد، إلّا كالعام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، ومنه يجنون ويهصرون. وله قطع تقطع كلّ أجدع، وتقرّع كلّ حميّ أنفه لا يجدع. فيومه يومان، وطعمه طعمان، بكلّ كلمة هي إبر النّحل أو مشاره، وفخر الدهر أو عاره، تلعّبا بالكلام كيف شاء صرفه، ومن شاء وضعه به أو شرّفه، فطالما أوقد حائن وهدف عرّضه لرميه فدفع بيديه حدّ المدى، ووضع إصبعيه في فم الرّدى، على أنّه خير أخ في الشدائد، وأعظم مقاوم لسمّ الليالي الأساود، وكلمه لا يغشى بوارقها بالسّحب، ولا ثلاث رودها إلّا بالرّماح منصلة بالشّهب. ومن شعره المحرّك للأطراب، المبيّض لقادمة الليل والفجر في آخره كما شاب جناح الغراب، قوله:[السريع]
كم نلت في الأسفار من شدّة ... لم تحص في عدّ ولم تحصر
فهذه عين وذا محجر ... والموت بين العين والمحجر
ومنه قوله:[السريع]
ديار مصر جنّة فتّحت ... أبوابها في الحسن للمبصر
وغير بدع أنّها جنّة ... ونيلها جار من الكوثر
ومنه قوله:[الطويل]
شكت زوجة القاضي من الطّلق شدّة ... فنال الإمام الهمّ وهو همام
فقلت له صبرا جميلا فربّما ... يكون مع الطّلق الشديد غلام
ومنه قوله:[الوافر]
وما طلبي الشهادة خوف نقص ... على مالي ولا طمع الزّيادة
ولكنّي لإسلامي وديني ... وتوحيدي حرصت على الشّهادة