هو اليوم واحد في جنسه، لا أعرف له ثانيا، ولا لفضله مدانيا. يتبارى سيفه وذهنه، ويتجارى جواده وخاطره، وكلاهما يحرز له رهنه. لو اجتمع هو والفارابيّ في مجلس ابن حمدان، لأراه بمعانيه كيف الطّرب. أو جاوره الجوهريّ لقيل له لقد حكيت ولكن فاتك النّسب. أو جالسه أيدمر السّنائي لاستمدّ من موادّه الغزيرة. أو وقف على ديوانه ابن العديم، لأقرّ بأنّه فخر التّرك لا مولى وزير الجزيرة.
لقد أسمع من كلمه ما رقّ كأسه حتى شرب، ونفح من شذاه ما سلّم به إلى أنّ جياد المسك (٢٨٢) ما كان من بلاد الترك قد جلب. فيا له فارس جواد وإجادة، أصبح فيهما بلا نظير، وبلغ منهما غاية كلّ مضمار وغاية كلّ ضمير.
وأتى بالدّرّ كأنّه مبسمه، أو من فلول سيفه لما اخترطه.
هذا وقد طبع على سجايا لو تمثّلت كالزّجاج لشفّت. ومرايا لو قلقل طوارق الليل لكنّت شيمة ممازجة، وسجيّة كريمة. تحلّى بملابسها، وأحسن ما فيها أنّها تركيّة ساذجة.
ومن شعره الفائق قوله:«١»[البسيط]
سبّح فقد لاح برق الثّغر بالبرد ... واستسق كفّ الطّلا من كفّ ذي ميد
ستعرب اللّفظ للأتراك نسبته ... له على كلّ صبّ صولة الأسد
يا عاذلي خلّني فالحسن قلّده ... عقدا من الدّرّ لا حبلا من المسد
ويل لمن لا مني فيه ومقلته ... نفّاثة النّيل لا نفّاثة العقد
وقوله:«٢»[الكامل]
خود زها فوق المراشف خالها ... ولئن فتنت به فلست ألام
فكأنّ مبسمها وأسود خالها ... مسك على كأس الرّحيق ختام