المنكر، وهو المضاعف حسنه إن كرّر. ثمّ قدمت حلب فأتاني، وعرض عليّ من شعره كلّ غضّ القطاف، ورديّ العطاف، لا يشكّك فيه الممتري (٢٩٤) ، ولا يرتاب قبل جفاف النّدى عن الورق أنّه الورد الطّري، فاجتنيت به الورد من غصنيه، واجتلبت الورد لكنّه مما لا يعدّه مرتبط الجياد في حصنيه، واجتبيت الورد إلّا أنّه الأسد المتعقع زئير لسنه، واجتليت الورد إلّا أنّه العنبر الورد في يد مختزنه، وكدت أستخرج منه ماء الورد إلّا أنه قد أعرق، وتكلّل منه بالجوهر مثل لؤلؤ الطّلّ المفرّق، وقلت بوركت من ورديّ يعير ثغور العذارى عقوده المجوهرة، وورد منسوب في نصيب نصيبين لا قطعت أيدي الحوادث من أنسابه شجرة، وظللت أنشدها ويجتهد الحسود فلا يقدر يجحدها، وطفقت أقلّب جنيّه الورديّ، وأقبّل شفاه ورده، والساقي يتوهّم فيقول تارة: دع قدحي. وتارة يقول:
خلّ خدّي، وأجتني باكورته من فرعه المنتمي إلى علي، وأنشر نشره ورياحه تضرّ حاسده الجعليّ. ولو عاصره ابن قلاقس وعقل، لقال: دعني أتستّر بورقي، وأختبيء من الأرض في نفقي، وأسرق من وشيه الورديّ خضرة سرقي. ولما أدّعى- وقال الحقّ- بنفسج صبحي، ووردة شفقي، ولو جاء بكيرا في أوّل الأوان لما وسم الأبيوردي في اسمه بالزّيادة، ولا كان إلّا عبده أبو عبادة، ولكان صنو الصنوبريّ لا بل أبان عجزه على التّحقيق، وقصوره في وصف الرّوض الأنيق، وعرّفه- وقد ضيّع عمره في وصف الرّوض وشقيقه- بأنّ ساعة من الورد بعمر الشّقيق.
وهو ممّن ضرب إلى الفقه بعرق، وظهر له في النّحو حذق. وولي القضاء وهو له مستحقّ. ومن شعره الذي يقرّ له الكلام الحرّ بالبرق، وتسأله القرائح المماتنة الرّفق، ما أثبته له الفاضل أبو الصفاء خليل الصّفّديّ. ومن خطّه نقلت، وفي أثنائه أبيات لأبي الصفاء ذكرها، واعترض بمثل أثناء الوشاح المفصّل دررها، كان قد أنشدها لقاضينا الورديّ، فأخذ معناها قسرا، وركّبها في صورة أخرى، إلّا أنه استزار منها حلم الطّيف، وأكرم ملقيها لمّا أتته من حلب إلى دمشق، وقال يا كرام الورد ضيف، ومما ذكر للوردي قوله المستدعي يحثّ كؤوس المدام، وكيف (٢٩٥) لا، وهي أيّام الورد في غبوق الغمام. فمنه قوله:«١»[الكامل]
أتظنّني أصغي إلى اللوّام ... في حبّ من ذلّي بها إكرامي
فبقدّها وبخدّها وبثغرها ... غصن وتفاح وحبّ غمام
لما تبدّت بين أتراب ومن ... سحب البراقع لاح بدر تمام «٢»
ناديت يا قلبي ويا طرفي معا ... أنا قد وقعت ففارقا بسلام «٣»