للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، ويأخذون كلّ قول يقال لهم بالقبول والصّدق، ثم ساءت ظنونهم بأهل مصر غاية الإساءة لما ظهر لهم من غشّهم لهم في كلّ قول، وفي تزاحمهم المفرط عليهم في أثمان ما يباع عليهم من الأطعمة والسّلع حتى لو رأوا اليوم أكبر أئمة العلم والدين، وقال لهم إنّه مصريّ امتهنوه، وأساؤوا به الظنّ لما رأوا من سوء معاملتهم لهم.

وحدّثني مهنّا بن عبد الباقي العجرميّ الدليل أنّه كان في صحبة السلطان موسى لما حجّ، وأنّه أفاض على الحجيج وأهل الحرمين سجال الإحسان، وكان في غاية التجمّل وحسن الظنّ في سفره هو ومن معه، وتصدّق بمال كثير، قال:

ونابني منه نحو مئتي مثقال من الذّهب، وأعطى رفاقي جملا أخرى، وبالغ مهنا في وصف ما رآه منه من الكرم وسعة النفس ورفاهيّة الحال.

قلت: ولقد كان الذهب مرتفع السّعر بمصر إلى أن جاءوا إليها في تلك السّنة، كان المثقال لا ينزل عن خمسة وعشرين درهما وما زاد عليها، فمن يومئذ نزلت قيمته، ورخص سعره، واستمرّ على الرخص إلى الآن لا يتعدّى المثقال اثنين وعشرين درهما وما دونها، هذا من مدة تقارب اثنتي عشرة سنة إلى الآن لكثرة ما جلبوا من الذّهب إلى مصر وأنفقوه بها.

قلت: ولقد جاء كتاب من هذا السّلطان إلى الحضرة السلطانيّة بمصر وهو بالخطّ المغربيّ في ورق عريض، السّطر إلى جانب السّطر، وهو يمسك فيه ناموسا لنفسه مع مراعاة قوانين الأدب كتبه على يد بعض خواصّه ممن جاء يحجّ، ومضمونه السّلام والوصية بحامله، وجهّز معه على سبيل الهدية خمسة آلاف مثقال من الذّهب.

وبلاد مالّي وغانة وما معها يسلك إليها من (٥٠٧) غربيّ صعيد مصر على الواحات «١»

<<  <  ج: ص:  >  >>