للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لجاريته، وعرفناها برغبة السلطان فيه، وحثه على طلبه.

وحدثني الفقيه أبو الصفاء عمر بن إسحاق الشبلي أن هذا السلطان لا يفارق العلماء سفرا ولا حضرا [١] ، قال: وكنا معه في بعض غزواته، فلما كنا في أثناء الطريق جاءته من مقدمة عساكره كتب البشرى بالفتوح، ونحن بين يديه، فحصل له السرور، وقال: هذا ببركة هؤلاء العلماء، ثم أمر بأن يدخلوا بيت المال، ويحملوا من بيت المال ما قدروا عليه، ومن كان منهم ضعيفا يستنيب من يحمل من ذلك المال عنه، قال: فدخلوا إلى الخزانة، ولم أدخل أنا ولا كثير من أمثالي لأننا لم نكن من تلك الطبقة، وحمل أولئك «١» كل واحد كيسين، كل كيس عشرة آلاف درهم إلا واحدا منهم، فإنه حمل ثلاثة أكياس، اثنين تحت إبطيه، وآخر فوق رأسه، فلما رآهم السلطان ضحك تعجبا من حرص الذي حمل الثلاثة، وسأل عن بقية الجماعة، ممن لم يدخل مثلي، فقيل له إن هؤلاء دون أولئك لأن هؤلاء من المدرسين، وهؤلاء من المعيدين، فأمر لكل واحد منا بعشرة آلاف درهم، ففرقت علينا.

قال: ومنار الشرع عنده قائم، وسوق أهل العلم لديه رائج، يشار إليهم بالتوقير والإجلال، وهم في غاية المحافظة على ما ينقام به ناموسهم من اصطلاح «٢» الظاهر والباطن والمداومة على قراءة العلم (المخطوط ص ٢٨) ، وإقرائه، والتحري في كل أمورهم، والاقتصاد في جميع أحوالهم، وهذا السلطان لا يتأنى عن الاجتهاد في الجهاد برا وبحرا، لا يثنى عنه عنانه ولا سنانه، ولا يزال هذا دأبه، نصب عينه، ودبر أذنه، وقد بلغ مبلغا عظيما في إعلاء كلمة الإيمان، ونشر الإسلام في تلك


[١] عكس السفر ويعني الإقامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>