الرياح فيهيج هيجانا شديدا، فيطلبه أرسطوروس وهو الصدف في هذا الوقت، ولا يطلب أرسطوروس أوقيانوس إلا في ريح عطوس، وهي التي تلقح البحر، فإذا أصفقته ريح عطوس ارتفع الصدف من قعر البحر الذي يسلكه الناس، وهيجت الريح أمواج أوقيانوس، فيقع في البحر المسلوك منه رشاشات فيلقمه الصدف كما يلقم الرحم النّطفة، ثم يرجع الصدف إلى أسفل البحر فتتركب تلك النطفة من الماء واللحم في جوف الصدف؛ فربما وقع في فمها قطعة كبيرة فينعقد درّة كبيرة، وربما وقع صغيرة فينعقد أجزاء صغارا، كما ترى في أكثر الأصداف. ثم أن الصدفة إذا وقعت في فمها القطرة خرجت من قعر الماء إلى ظاهره عند هبوب الشمال وطلوع الشمس وغروبها، (١٢٠) ولا يخرج في وسط النهار فإن شدة الحر ووهج البحار يفسد الدر. وإذا خرجت الصدفة انفتح ماؤها ليقع الريح الشمال على الدر، فينعقد من أثر الشمال وحرارة الشمس كما ينعقد الجنين في الرحم من حرارتها.
ثم إن جوف الصدف إن خلا من الماء المر يكون الدر في غاية الصفاء والجلاء وحسن الهيئة. وإن خالط جوف الصدف شيء من الماء المر فإن الدر يكون أصفر اللون، أو كدرا غير مهندم، وكذلك إن استقبل الصدف الهواء في غير هذين الوقتين كانت الدّرّة كدرة. وإذا كان فيها دودة أو كانت مجوفة غير مصمتة كان سببها استقبال الصدف للهواء الرديء، وهو الليل وأنصاف النهار.
ثم إن الصدف إذا تجسد الدر في جوفها تجسدا مستويا، هبط إلى قعر البحر حتى يرسخ فيه ويتشعب منه العروق فيه، ويصير نباتا بعد أن كان حيوانا ذا نفس، بفعل الله خالقها وخالق كل شيء. فإن تركت مدة طويلة تغيرت وفسدت مثل الثمر في الشجرة إذا لم يقطف وقت بلوغها فإنها يذهب «١» حسن لونها، وطيب طعمها.