إلى المدينة، وعجنت ذلك الطين، وعملت منه طينا مختوما على العادة. فلما نظرت إلى ذلك، رأيت أن أسأل: هل كان فيما مضى من الدهور أحد خلط في هذا الطين دم التيوس أو المعز؟ فلما سألت ضحك مني جميع من سمع سؤالي ذلك وأنكروه إنكارا عظيما.
ثم أحضر لي رجل من أهل تلك الجزيرة كتابا وضعه رجل كان في بلدهم من قديم الدهر، يذكر فيه وجوه استعمال هذا الطين المذكور ومنافعه، فدعاني ذلك الاجتهاد في تجربة هذا الدواء، وترك التكاسل عنه، وأخذت منه عشرين ألف قرص مختوم؛ وكان ذلك الرجل يداوي به الجراحات فيدملها، والقروح العتيقة العسرة الاندمال، ويداوي به نهش الأفاعي وغيرها من الهوام. وكان يسقي من يخاف عليه أن يسقى شيئا من الأدوية القتالة، ويسقى منه بعد شرب السم فينفعه. وكان يزعم أن الدواء المتخذ بحب الغار هو الذي يقع فيه الطين المختوم مقدارا ليس باليسير، قد امتحنه فوجده يهيج القيء إذا شربه الإنسان والسم الذي يتناوله في معدته بعد. ثم جربت أنا أيضا ذلك فيمن شرب أرنبا بحريا، وفيمن شرب الدراريج، بالحدس مني عليهم أنهم قد شربوه، فتقيؤا من ساعتهم السم كله من بعد شربهم الطين المختوم. (١٥٠) وقد يعرض لهم شيء من الأعراض اللاحقة لمن يتناول أرنبا بحريا أو دراريج، ولما تقيؤا تبين في القيء ما كان قد شربوه من الأدوية القتالة.
ولم يكن عندي علم من الدواء المتخذ بحب الغار «١» في الطين المختوم، هل معه دفع الأدوية القتالة؟ وقد ضمن ذلك الرجل المذكور عن تجربة له. وزعم أيضا أنه سقي من قد عضه الكلب الكلب بشراب ممزوج؛ وكان يزعم أنه يطلى على