إنها واقفة على الوسط، على مقدار واحد من كل جانب، والفلك يحد بها من كل وجه، فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون أخرى، لأن قوة الأجزاء مكافئة؛ مثال ذلك حجر المغناطيس وجذبه الحديد، فإن الفلك بالطبع مغناطيسيّ للأرض، فهو يجذبها، فإذا كان كذلك فهي واقفة في الوسط كقنديل النصارى. ومنهم من قال إنها واقفة في الوسط، وسبب وقوفها سرعة تدوير (٢١٤) الفلك ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط، من ذلك أنك إذا جعلت ترابا أو حجرا في قارورة، وأديرت بقوة في الحرط «١» والتدوير، فإن التراب والحجر المذكورين يقوم في الوسط.
وقال محمد بن أحمد الخوارزمي «٢» : الأرض في وسط السماء، والوسط هو السفل بالحقيقة «٣» ، وأنها مدورة مضرّسة من جهة الجبال البارزة والوهاد الغائرة، وذلك لا يخرجها عن الكرة إذا اعتبرت جملتها، لأن مقادير الجبال، وإن شمخت، يسيرة بالقياس إلى كرة الأرض، فإن الكرة التي قطرها ذراع أو ذراعان، إذ نتأ منها شيء أو غار فيها، لا يخرجها عن الكرة ولا هذه التضاريس، لإحاطة الماء بها من جميع جوانبها وغمرها، بحيث لا يظهر منها شيء، فحينئذ تبطل الحكمة المودعة في المعادن والنبات والحيوان، فسبحان من لا يعلم أسرار حكمه إلّا هو.