وتوفي قتيلا في حمام القصر بقرطبة صبيحة يوم الأحد ثاني ذي القعدة سنة ثمان وأربع مائة، وهو ابن تسع وأربعين سنة، وكانت مدته سنة وأحد عشر شهرا، غير أيام، وكان أسمر أعين تلفاعة «١» ، لا ينظر شيئا بعينه إلا أسرعت الآفة إليه، انتهى كلامه.
قلت: وكان غشوما ظلوما سفاكا للدماء، نهّابا للأموال، منتهكا للحرمات، فاشتد على أهل قرطبة [ص ٢٩] البلاء، فلزموا البيوت، وتغيبوا في المطامير «٢» ، وتعلقوا بذوائب الجبال، إلا اليسير، وانبسطت أيدي البربر على الخلق، واتسع الخرق، فأغلقت الحوانيت، وانقطعت الطرق والسباريت «٣» ، حتى وثب عليه الصقالبة في الحمام، فعجلوا له الحمام، فقتله الله بأضعف خلقه، في وسط داره، بأقرب فتيانه، من غير روية ولا تدبير، إلا ما ألقى الله في نفوسهم، واجتمع في قتله ثلاثة مرد من المقربين إليه، كان قد عشق أحدهم وراوده عن نفسه، فامتنع ورد عن نفسه ودفع، فأبى إلا أن يعتلجه «٤» ، وذاك إلا أن يجزيه أجر ما صنع، فتقدم واحد منهم اسمه منجح، فضربه على دماغه بكوب نحاس، فصرعه، وابتدره الاثنان: لبيب وعجيب، فوجأوه بخناجرهم وقطعوه فباد الزاجرهم «٥» ، وكف الله عاديته، وصرف رائحته وغاديته، وذلك يوم الأحد غرة ذي القعدة سنة ثمان وأربع مائة، وفرّ قتلته ونجوا، وقيل قتلوا، وقد ذكر ابن بسام، أن المستعين الأموي «٦» لما تمالأ عليه بنو عمه، وأمل علي بن حمود