هدوء لا يقلقل له مضجع، ولا يساء به قلب ولا مسمع، وما برح أهل مصر في كل جيل يضرب به المثل، فيقول لما يستطيب من الأيام: كأنها أيام العزيز، لأنه كان لين الجانب يعنيه، حسن المناقب عن خشن المقانب يغريه، كرم سجيته بالندى الغمر، ويعزه في الندى هزة الخمر، ووقفت على تاريخ ضبط له، فما رأيت في رسوم ما يحيي من الرعايا مثل عدل أمر به، وظلم بطله، وأمن أراح سيفه، وأنام بطله، وتفسح العزيز في بلاده، وتلقح على العراق ليوطئه سنابك جياده، ودعي له على منابر الشام، وذكر له على منابر المساجد، وحيي بالسلام، وبلقبه لقّب السلطان الدّين ابنه العزيز عثمان، ترجّيا [ص ٥٤] أن تكون أيامه شبيهة بأيامه في الرخاء والأمان، فكانت مثلها في الأمان لا في الرخاء، ونظيرها في الامتنان والسخاء، فإن في أيام العزيز عثمان حدث بمصر غلاء، وارتفع السعر وكان له علاء، ثم عظم أيام عمه العادل، مما ليس هذا بموضع ذكره، ولا تشويش هذا التصنيف بنكره.
قال ابن سعيد: وسفرته من أفريقية إلى مصر وما ظهر منه من حسن التدبير، وهبوب النصر والحزم في الاستيلاء. كسفرة المأمون من خراسان إلى بغداد. قال الروذباري في تاريخهم: حضرت الخطبة للحاكم ابن العزيز، فما قدر أحد يفهم ما يقول الخطيب، لضجيج الناس وبكائهم على العزيز، كان محسنا إلى الخاص والعام، شاملا بالبر للقريب والبعيد، مبذول اليد بالكرم، مسبل الذيل بالفضل، كثير العفو، قليل الانتقام، عوادا بالجميل، منيبا إلى الحق، غير متظاهر بما يذم،