على دفع اللأواء، لا ينثني عوده بالالتواء، ولا يستحوذ عليه بالاحتواء، لا يمل طول الثواء ولا يلم برده على تأخير الدواء، لا تزعجه تظافر الأشياء والأسواء، ولا تردعه تغاير الأهواء، أوقع على مقاصده من مواطن [ص ١٠٥] الأنواء، وأبصر بمصالحه من نواظر الصحة عداوة الأدواء، لا يفكر في عباد يهلكها، لبلاد يملكها، ولا يستأثر بدماء يسفحها لنعماء يمنحها، حتى توطدت قواعد ملكه، وتوطنت فرائد الأقاليم في سلكه، فما أعجزه مرام، ولا أعجزه حافز أمر عن تمام، ولم يكن في بيته أقوى منه شكيمة، ولا أورى زناد عزيمة، ولا أغزر علما، ولا أوفر حلما، إلا أنه كان مبخلا لا يرشح له صلد تبدى، ولا يفيض له بحر بجدا، ونجمت في مدته خوارج فرماها بغوائله، وماراها حتى شفى منها صدور مناهله، فاستقام له غويها، ودخل في ذمام طاعته عصيّها، ومن نأت عليه أنهد إليها جيوشه فأوطاها أحداثا، وأوطنها أجداثا، ثم بعث إلى الأطراف فسدد ثغورها، وشد سعورها، وبنى المدن ومدنها، وسجن المعاقل وحصنها، وكان لا يطمع في اهتبال غرته، واحتلال أسرته، فما لانت حصاته لماضغ، ولا هانت حصانته على رائغ، فلم يتخلص من قبضته نازغ، ولا قصده إلا من عاد بقلب ملآن فارغ، ودام الملك في بيته تتوارثه، وينتقل إليهم عنه موارثه، وهاهم إلى اليوم في بقايا نعمه التي أحرزها، وذخائره وهي الخلافة التي في بيته أكثرها، وهو داهية القوم وقلّبته الأحوال أكثر من كل بني أبيه، واضطر في دولة بني أمية إلى أنه قصد شيعتهم بالعراق، فمر في طريقه بقصر خالد بن عبد الله القسري «١» ، فلما رآه خالد لم