زعمت أنّ الدّين لا يقتضى ... فاستوف بالكيل أبا مجرم
واشرب بكأس كنت تسقي بها ... أمرّ في الحلق من العلقم
فاضطرب أصحاب أبي مسلم، فنثرت «١» عليهم الأموال وأعلموا بقتله، فأمسكوا رغبة ورهبة، ومضى أبو مسلم لسبيله لم يغن عنه كثرة قبيله، ولا توقد بصر كان يسري بقنديله، ولا نجاة بعد غور كانت السفن تغرق في ضحضاحه، وتدلج ولا تظفر بصباحه، فلم ينفع بحذار، ولم يدفع بحذر لمقدار، وحكت سلامة أم منصور قالت: رأيت حين حملت به أسدا خرج من قبلي فأقعى وزأر وضرب الأرض بذنبه، فاجتمعت إليه الأسود، وكان كلما جاءه أسد سجد له، وكان المنصور فقيها عالما حافظا، قال مالك بن أنس: ما اجتمعت قط بأبي جعفر المنصور إلا احتقرت نفسي، وادّعت الراوندية «٢» فيه الألوهية، وخرج لدفعهم، فأرادوا قتله، وقالوا: نريد يخرج الجزء الإلهي من هذا الناسوت، فخافهم، فاختط مدينة بغداد وانتقل من الهاشمية إليها، وقد تقدم ذكر بغداد في موضعه من تقسيم الأقاليم، وكان أبو حنيفة ممن على عملها. وعن عمير المديني قال: قدم علينا المنصور المدينة ومحمد بن عمران الطلحي على قضائه، وأنا كاتبه، فاستعدى الحمالون عليه في شىء ذكروه، فأمرني أن أكتب إليه كتابا