احتجت أن أسأل أحدا بعده، ثم قلت: يزعم أهل العلم أنه سيكون لكم دولة، قال: لا شك فيها تطلع طلوع الشمس وتظهر ظهورها، فنسأل الله خيرها، ونعوذ بالله من شرها، فخذ بحظ لسانك ويدك منها إن أدركتها، قلت: وإنه يبتلى بكم من أخلص المحبة، قال: قد روي أن البلاء أسرع إلى محبينا من الماء إلى قراره، قال: فقلت له إني لأخاف ألا أراك «١» بعد اليوم، قال: أرجو أن أراك وتراني كما تحب إن شاء الله، قلت: عجل الله ذلك، قال: آمين، فقلت:
ووهبني السلامة منكم، فإني من محبيكم، قال: آمين، وتبسم، ثم قال: لا بأس عليك ما أعاذك الله من ثلاث، قلت: ما هن؟ قال: قدح في الملك، دهنك في الدين، أو تهمة في حرمه، ثم قال: احفظ عني: لا تجالس عدونا وإن أخطبناه، فإنه مخذول، ولا تخذل ولينا فإنه منصور، واصحبنا بترك المماكرة، وتواضع إذا رفعوك، وصل إذا قطعوك، ولا تخطب الأعمال، ولا تتعرض للأموال، وأنا رائح من عشية، فهل من حاجة، فنهضت لوداعه، فلما خرجت أتبعني مولى له بكسوة، وافترقنا، فوالله ما رأيته، إلا وحرسيان قابضان عليّ يدنياني منه في جماعة من قومي لأبايعه، فلما نظر إليّ قال: خليا عمّن صحت مودته، وتقدمت [ص ١١٣] خدمته، وأخذت قبل اليوم بيعته، ثم قال: أين كنت عني أيام أخي العباس، فذهبت أعتذر، فقال: أمسك فإن لكل شىء وقتا لا يعدوه، فاختر بين رزق يشغلك، أو عمل يرفعك، قلت: أنا حافظ لوصية أمير المؤمنين، قال:
إنما نهيتك أن تخطب الأعمال، ولم أنهك عن قبولها، قلت: الرزق مع قبول أمير المؤمنين أحب إليّ، قال: هو أجمّ لقلبك، وأحب إليّ لك، ثم قال: قد ألحقنا عيالك بعيالنا، وخادمك بخادمنا، وفرسك بأفراسنا، ثم ضمه إلى المهدي، فكان معه.