نوكى «١» القوم، وأولى أهل بيته باللوم، لا يقيل رأيه من عثراته، ولا يجمّ جفنه لمقيل عبراته، فانهمك في اللذات، وانتهك حرمة الملك واللدات، وحفر لأخيه المأمون قليبا «٢» وقع فيها قريبا، وكان ذا أيد وقوة، حكي أنه وثب على أسد فصرعه وقرب مصرعه، ولكنه لم يؤيد بحزم يحوط به تدبيره، ويحول بينه وبين ما قضى تدميره، ولكن الله إذا أراد أمرا بلغه، ومن قصد أخاه بسوء دمر الله عليه ودمغه، وكان كريما يهب البدر بالمئين، ولا يسمح أن يمد إلى مائدته يمين، وكان يبخل بالطعام، وينحل في الشح أخلاق الطغام، وكان عنده رغيف الخبز كرغيف الأسد، لا يطاق مهاجمته، ولا يستطاع أن يقتحم أجمته.
وقال علي بن إسحاق: لما أفضت الخلافة إلى الأمين وهدأ الناس، أصبح صبيحة السبت بعد بيعته بيوم، فأمر ببناء ميدان حول قصر أبي جعفر في المدينة للصوالجة واللعب، وأمر جواريه بأن تهدي إليه غزلان تسيّب فيه، فأهديت له، فقال شاعر من أهل بغداد: