بحلمه، وتعهده بالعفو على علمه، وعمل في هذا ما لم يسمع مثله قبله ولا بعده، وخلد له ذكرا لا يبلى لديباجة جده، وكذلك عامل أم جعفر بإكرام برّد حرارة حزنها، وخفف حزازة شجنها، حتى سلّ سخيمة صدرها، وحل عقدة الحزن عن فكرها، وألهاها ببره لها عن ابنها، ونهاها نهى حلمه عن تشويش الدموع في جفنها، فأسلاها مصاب ولدها، وأنساها ذهاب قطعة من كبدها، فأخذها في أمره بالمغالطة، واستدرك لها بالمجالسة مهجته الفارطة، فتسلت به سلوة الحزين، وتعوضت ببقاء المأمون عن الأمين، فعاودت مقلتها هجوع الكرى، وقالت: وفي الحي بالميت الذي غيّب في الثرى، وسارت سيره وصارت لا يمل منها مطالعها، ولا يحل بأنه كلما فارقها نظره يراجعها، يصبح حيث أمسى في سطورها المحبرة، وصدورها المجوهرة، ويرود منها روضة أدبية تتحير فيها من مشارق التصنيف حتى الأنوار، ويتحير بها لؤلؤ الطل في حدق النوار، وعهد إلى علي الرضا، وأصارها علوية، ثم عاجله الموت، وما كان في سعادة الناس تمام تلك القضية، إلا أنه أبلى الناس بالمحنة [ص ١٣٦] في القول بخلق القرآن، ولم تطهر منها أيامه، ولها قرؤ ولا قرآن، وذلك عن نظر نظره، ورأي نبه على نفسه خطره، ومن أخباره أنه لما خرج من خراسان شيعه حميد الطوسي «١» ، فسار معه فراسخ، فالتفت إليه المأمون وقال: ارجع أنا غانم: