قال: ما رأيت أبرد من هذا الماء، ثم ذاقه وقال: ما أطيب طعمه، ثم التفت إلى سعيد بن الصلاف قال: أي شىء يصلح أن يؤكل عليه، قال: أمير المؤمنين أعلم، قال: الرطب الأزاد، قال: أنّى لنا به في بلاد الروم، فما تم كلامه حتى سمع لجم البريد، فالتفت فرأى على أعجازها أحقاب فيها ألطاف، ومنها رطب أزاد، فحمد الله هو ومن كان معه، فما قام أحد ممن أكله إلا محموما، فكان ذلك أول علته، ثم ظهرت له في رقبته نفخة، كانت تعتاده، فأخطأ [ص ١٤١] الطبيب في فتحها قبل النضج فهلك، ويقال إنه لما خرج في تلك الغزاة، صاح في أحد تلك الليالي لغلام اسمه سقير، وقال له: ويلك من يغني، قال: ما يغني أحد، قال: ثم تسمعت فلم أسمع شيئا، فقلت: ما أسمع حسا، قال:
بلى والله إنه كان يغني:
[الوافر]
ألم تعجب لمنزلة ودور ... خلت بين المشقر والحرور
كأنّ بقيّة الآثار فيها ... بقايا الخطّ من قلم الزبور
ثم اعتل في الليلة الثالثة. وحكى ابن المهدي قال: رأيت في منامي كأن جارية من جواري الرشيد، وفي يدها عود، وهي على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تنشد:
[الخفيف]
سوف يأتي الرسول من بعد شهر ... بنعيّ الخليفة المأمون
قال: فقلت هذه مفسرة، فجاء نعيه بعد شهر، وولد سنة سبعين ومائة، وتوفي سنة ثمان عشر ومائتين، وعمره ثمان وأربعون سنة وشهور، ومدته عشرون سنة وستة أشهر، وقبره على البذندون بطرسوس من بلاد الروم.