عبيد [ص ١٤٣] الطاعة، إلا أن منهم من قسا ووكل السيف في عقابه لما أسى، ويكفي المعتصم نوبة عمورية «١» ، وما ظهر فيها من عزيمته المصممة، وشكيمته المهيمنة، وأنه لما هتفت باسمه تلك المرأة مرة، هفت إليها طلائع الممرة، وقال:
لا يكشف الغمى إلا ابن حرة، وقاد إليها عسكرا يتشكى الشتاء البارد حره، فأتى عمورية وهو يرى غمرات الموت، ثم يزورها وقاسم أهلها سيوفه، فكانت في عساكره غواشيها، وفيهم صدورها، حتى يسر الله له فتحها، وقدر له منحها، ويقال إنه افتر في يوم شديد البرد من أيامه عليها أربعة آلاف قوس، ورمى على كل قوس منها سهما، وكان يوما يود بياض نهاره لو كان لوقود النار فحما، ولم يكن المعتصم يعاب إلا بأمية فيه، وبأنه عمل في المحنة بوصية أخيه، فأخذ الناس بها، وواخذ من امتنع ودعاهم إليه بالسيف والسوط، وجرى زمانه كله لا يني على هذا الشوط، حتى ألزم بكلمتها، وشوه وجوه أيامه البيض بظلمتها، على أنه لم يكن إذا علم عمل به فاتبعه، وعلم أنه الحق فشرعه، إلا أنه سمع قولا ظنه الصدق فأيده، وتلقى وصيته عن أخيه فعمل بها وقلده، وسئل أحمد بن حنبل «٢» فأيده الله بالقول الثابت، وأبلاه بأنواع البلاء وهو بمواجهته بالإنكار لقوله متكلم لا ساكت.
وكان مغرى بالاستكثار من الأتراك، ما مات حتى كمل ثلاثين ألفا منهم، وكان معظما لهم موفرا نصيبهم، حكي أنه أجلس مملوكه أشناس إلى جانبه على كرسي، وتوجه بتاج من ذهب، ووشحه بوشاحي ذهب مرصعين بالجواهر، وطوّقه بطوق ذهب مجوهر بقطع يواقيت أصغرها زنة عشرة مثاقيل، وسؤّره بسواري ذهب، وعقد له ثلاثة ألوية، وحمله على فرس أدهم أغر من مراكيب