الحق ونصره، وسدد إليه رأيه وبصره، إلا أنه كان مزورا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويرمى ببغضه، ويغري من لا خلاق له بحط مقداره وغضه، حتى قيل إنه كان يأمر مخنثا كان عنده اسمه عبادة، أن يصنع له بطنا تشبها بعلي رضي الله عنه، ثم يأمره بأن يرقص ويغني له بما ننزه كتابنا عن ظلمه، وندع قائله وما باء بإثمه، وكان يتمضمض بذكره بكذب يضعه، واختلاق يرفعه الله به، كلما أراد أنه يضعه، حتى قيل إن ابنه المنتصر كان يحرج قلبه هذا الاستهتار، ويقدح عنده نارا طار منها ذلك الشرار، وأنه دخل عليه يوما وذلك الممسخر قد تلبس بهذه الحال، ونمق وقته بزخرف ذلك المحال، والمتوكل قد استغرب ضحكا، واستعذب بذوقه السقيم ما يحكى فنهى الممسخر وزجره، ثم تقدم إلى أبيه ولامه وما عذره، وقال له: يا أمير المؤمنين، إنما هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولو لم يكن له ما له من الفضل لكان ابن عمك، وإنما تأكل قطعة من لحمك، ثم وعظه ونهاه ونصحه، لو قبل نصحه، أو وعاه فما صبر إلا ريثما ولى، ثم أمر ذلك الممسخر الطرف الوضيع الساقط، أن يغني ويقول:
[مجزوء الكامل]
غضب الحبيب لابن عمّه ... رأس الفتى في كس أمه
قد قال تأكل لحمه ... فأجبته يا طيب لحمه
وأمره أيضا أن يغني ويقول:
غار الفتى لابن عمه ... رأس الفتى في حرّ أمه
فلما قتل المتوكل والفتح بن خاقان، قتل معهما ذلك الساقط الحقير، وعجل بروحه إلى النار وبئس المصير، وكان المتوكل مغرى بالبناء، وأنفق [ص ١٤٨] فيه خزائن آبائه، وأسرع فيه دبيب الفناء، فبنى من المنازل قصورا تتضاءل لها المنازل قصورا، ولما أزال المحنة جمع الناس على مذهب مالك بن أنس رحمه الله، وإنما