المرعى وبيّه «١» ، وانتضى له سر العهد والعمد، وطوقه بجنيه، وأوطى عليه صوارم الأتراك، ووالى إليه عزائم الإدراك، حتى قتل تلك القتلة، وبرد غيظه، وشفى الغلة، لهذا منّي بالهلك بعده، وما هنّئ بالملك ولا طالت له مدة، فكانت قضيته شبيهة بقضية شيرويه «٢» ، كلاهما قتل أباه، فما قبل الملك بملكه وأباه، فما سعى إلى السرير السرير حتى قصرت خطوة أجله، وقصرت سطوة المنايا على عجله، فحقرت كتب التهاني بالتعازي، ووسمت سمة فعله بالمحاسن والمخازي، فمن حمله على أنه غار لله لابن عم رسوله شكره، ومن حمله على أنه غال أباه للملك لم يكفر له ذنوبه المعذرة، ومن يوم مدت الأيدي بالمبايعة إليه قال الناس: هذا لا تزيد أيامه على مدة [ص ١٤٩] شيرويه، وكان من غريب الاتفاق أنه بسط في ذلك اليوم بساط، جاءت قدام مقعد المنتصر صورة مصورة، وحولها أسطر مسطرة، فأحضر من قرأ له ذلك الخط وعرّبه، فوجد مضمون أحرفه المكتتبة، هذه صورة شيرويه قتل أباه، فما دامت أيامه، ولا هنّئ بالملك بعده، فتطير المنتصر من ذلك، وتقرر عنده أنه هالك، فلما هلك، عجب الناس من ذلك الوفاق، حتى ظن بعضهم أن هذا وقع بالقصد لا بالاتفاق.
وحكى أحمد بن الخصيب، خرج يوما مسرورا، فقال: إن أمير المؤمنين رأى كأنه صعد درجة، حتى انتهى إلى خمس وعشرين مرقاة، ثم قيل له قف، هذا آخر عمرك، فتأولها ابن الخصيب الخلافة، وإنما كانت جميع عمره، فعاش بعد