جنبيه ضاغطا فلا يشوب له نعماء، ولا يزال الراضي راضيا بموهبة من أفاد المعاني لأسماء.
وحكي عن أبي الحسن العروضي مؤدب الراضي أنه قال: غدا عليّ الراضي يوما وفي يده درج، فوضعه، وأقبل على ما كنت وظفته له، فأسرع يحصله، ثم انحاز عني، وأخذ ذلك الدرج يتصفحه، فقلت له: ما درجك أيها الأمير، فقال: حكمة من حكم الفرس مما ترجم لأمير المؤمنين أبي جعفر المنصور، وانتسخته، فقلت: أسمعني ما فيه، فقرأ عليّ أنه لا يضر فساد الملك مع صلاح وزرائه، كما لا ينفع مع فساد وزرائه كبير نفع، وينبغي للملك أن يسوس وزراءه بثقة يكمن فيها احتراس لا يوجد معه حذر، وليس «١» تسوء به هيبته، وليحذر كل الحذر من اختصاص بعضهم دون بعض، وتفضيل بعضهم على بعض، فالوزراء للملك كالطبائع للجسم، صلاح الجسم باعتدال طبائعها وتساويها في القوة، كما أن عطبها في قوة بعضها على بعض. قال العروضي، فقلت: أيها الأمير إنك اليوم غير محتاج إلى هذا وشبهه، فقال: كلا إني إليه لمحتاج، وإن كان عندك علم منه فأفدناه، وإن لم يكن عندك فاستفده لكي تفدناه. قال: فعلمت بذلك سمو همته، وثقوب فطنته.
وحكي عن العروضي أنه قال: أمليت على الراضي في صباه كلاما لقتيبة «٢» ، وهو أن قتيبة شاور أصحابه في رجل يؤّمره على جيش أراد أن يبعث به لمحاربة بعض من جاور خراسان من الكفار، فقيل له: هل لك في فلان؟
فقال: ذاك رجل ذو كبر، ومن تكبر أعجب برأيه، ومن أعجب برأيه لم يؤامر نصحاءه، ومن تحلى بالإعجاب، ودبر بالاستبداد، كان مع الصنع بعيدا، ومن