وبدأت الخلافة «١» بعبد الله السفاح، وختمت بعبد الله المستعصم، ولم تدر الملة لمن تستخصم، وأخذ رحمه الله وقتل، وهو جمت بغداد، وقتل الرجال، وسبي النساء والأولاد، وألقت الهاشميين في دجلة بأرواحها، وارتجت النواحي بنواحها، وكاد الإسلام يذهب بجملته، والدين المحمدي يطوي ملاءة ملته، وانقرضت الدولة العباسية، إلا بقية أتت مصر، ونويض «٢» سراجها ثم انطفى، وأومض بريقها في أخريات الليل ثم اختفى، وكان المستعصم يسكن إلى وزيره المؤيد ابن العلقمي ويسيل بضبعه ويميل إلى اعتلاء قدره ورفعه، ولا يزال يلاطفه [ص ١٩٩] ويهاديه، ولا يقطع مكاتباته، إما يجاوبه أو يباديه، أهدى إليه مرة قصب أقلام، وكتب معها: بعثنا إلى الوزير أعزه الله بقصب يراع، مؤذنة بأنه لدينا في المحل الأقصى لا يراع، فليكتب بها مشرفا، وفي الأرض وسكانها على رغم من يشناه مصرفا، فلما أتت ابن العلقمي، قام لها وقبّل الأرض وقبّلها، واعتقل خطيها المتفقة وأسلها، ثم كتب:(قبل المملوك شكرا للإنعام عليه بأقلام قلمت أظفار الحدثان، وقامت له في حرب صرف الزمان، مقام عواسل المران «٣» ، وأجنته ثمار الأوطار من أغصانها، وحازت له قصبات المفاخر يوم رهانها، فيالله كم عقد ذمام في عقدها، وكم بحر سعادة أصبح من مدادها ومددها، وكم منآد خط استقام بمثقفاتها، وكم صوارم خطوب قلت مضاربها بمطروف مرهفاتها، فالله تعالى ينهض المملوك بمفروض دعائه، ويوفقه للقيام بشكر ما أولاه من جميل رأيه وجزيل حبائه) .
وكانت آفته بل آفة الإسلام وزيره، ولما قدم هولاكو لإزاحة الباطنية عن