ويتسم لدلائل أجابته، فمهد له في تقدمه، ووطد أكناف السرير لقدمه، ولما خاف ألا يتم له ما أراد، ولا يلم فيه رأيه بالمراد، بذل له جهد سيفه ودرهمه، فكفّ جهل عذاله ولوّمه، ولم يبق إلا ثلاثة قريش شرفا وسؤددا، وسلفا يخرس لددا، الحسين بن عليّ، وعبد الله بن عمر [ص ٢٣٨] وعبد الله بن الزبير، فجدّ في مداراتهم فما قدر، وجهد على إرادتهم وما قسر، فنصب مصايد حيله، ومكايد طيله، وأمر بأن يجمع الناس بالمدينة وفيهم أولئك الأماجد، وأوقف على رؤوسهم رجالا بأيديهم السيوف جرايد ثم أمر بأخذ البيعة ليزيد، وأخذ من خالف الأخذ الشديد، وقال: من كلّم هؤلاء، وأشار إلى الثلاثة، واضرموا بحدوة السيف حنقه، فلما اجتمع الناس قام فيهم مروان وقال:«١» أيها [الناس] إن هؤلاء رؤوسكم وسادتكم، وقد أعطوا البيعة، فقوموا فبايعوا، فما منهم إلا من بايع ومن تابع، إلا أولئك النفر، إلا أنهم ما استطاعوا أن يتكلموا، ولا استطالوا إلى أكثر من أن يتألموا، ثم كان من خروج الحسين وابن الزبير ما كان، هذا إلى العراق وهذا إلى مكة، وما فينا فيما يزعزع ملكه، إلا أن الحمام عاجل سيد الشهداء الحسين، وأدلى له الحين، وفزع ابن الزبير لمنابذته، وقرع ظبة الحرب لمؤاخذته، ثم لم يتمكن من قتاله، ولم يتبين له وجه احتياله، فأخرها إلى أوانها، وادخرها إلى إبّانها، ثم وثب إليها وثوب الفهد، ودأب لها دؤوب الفرس النهد، وأما ابن عمر، فدخل فيما أجمع الناس عليه وبايع، وجمع أطراف قومه وما نازع، ثم كان من مصرع الحسين ما صرع الدموع، وصدع الضلوع، وكسر القلوب كسرا لا يجبر، وأمات للإسلام ميتا لا يقبر، فآها لها رزية فتّت العضد، وفلّت السيف والغمد، لقد أنضبت