كان أبوه الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن تلقى عثمان الأمر وتسلم، وهو أحد ما انتقد على عثمان، وحقد على أبي سفيان، كان معاوية [ص ٢٤٦] يعاقب بينه وبين سعيد بن العاص، ويراقب منه سطوة الأسد على القناص، خوفا من توثبه، وخوضا في حديث كان يخشى تسببه، فكان يداريه ويدرأ حده بشبهة أنه يوليه، ولم يزل مذ كان عيبه عناد وغيبة، ما توارى في زناد يقدح كل شر، ويجدح حماه كل ضر، ويقسو في موضع اللين، ويعتو في متبع الدين، إلا أنه كان من رجال قريش حزما لا يغلط، وعزما لا يغمط، ملقح حرب حيال، وملحق ترح بحي حلال، يلف آخر الخيل بأولها، ويدير مدبرها على مقبلها، تعرض للحرب حتى صلي بها، وبلي لما بلي عجم عيدانها بصليبها، أخرجه عمال ابن الزبير على المدينة في بني أمية، وأحوجه الاستعجال إلى الخروج على عمّيه، فخرج أجرأ من ابن سميّة «١» ، وأجرأ من عمرو بن أمية، قال منتهكا وآب ملكا، ما برح يسول له القيام ويناجي ضمائره، وينادي سرائره، حتى أخرج هذا المخرج، خرج لضائقة المخرج، فسار يريد الشام، وهو لا يعرف كيف يسير، ولا على رشد يمشي أم تغرير، فلما كان بالطريق، وهن لقلة ناصره، وذلة أهل أواصره، فهمّ أن يعطي بالمبايعة يده، ويعرى من لبوس المقارعة حسده، فقال له رجال: أو مثلك وأنت شيخ بني عبد مناف ترضى أن تكون لفتى من بني أسد مربوبا، ومعه هذه الرماح ما قصف من صلبها أنبوبا، وهذه الأسنّة تتقد ولا تدع جمر الحرب مشبوبا، فحينئذ ألوى بأنفه الشمم، وبعطفه التيه على منابت اللمم، ودعا إلى نفسه، وسعى كالأرقم بكشر أنيابه لنهشه،