ووفى بأس التفرق من جماعته، وكان الزمان ربيعا [ص ٣٠٧] جاء إثر جدب، ما مر النسيم على مخلصه، ولا رم شعث الناس إلا ما كل نقله، وسارا على نهر أشبيلية «١» ، كل منهما على ضفة منه، ثم تقابلا مقابلة كادت تكون اجتماعا وتراسلا، لا لشىء إلا خداعا، وكان ذلك يوم عرفة، فبات يوسف بن عبد الرحمن همّه ذبح الجزر وتهيئة الطعام، وعبد الرحمن الداخل همّه في تسوية الصفوف، وإثارة القتام، فلما أصبح يوم الأضحى جازت خيل عبد الرحمن النهر، وجادت بالحديد مثقلة الظهر، وتناوش الفريقان الحرب، يشعبون شعب رماحهم، ويهيجون شعب صفاحهم.
وكان عبد الرحمن على فرس سابق، فخاف أهل معسكره أن ينهزم، «٢» وحار من كان له بينهم، وقالوا: شاب غر وتحته فرس يرمي به المرامي، نخاف إن عضت الحرب أن يطير عليه على بعض الموامي، فلما نمي إليه هذا الخبر، استدعى بغلا أشهب كان معه، وركب عليه لا يفارق موضعه، فاطمأنوا إلى الثبات، وارجحنوا كالجبال لولا الوثبات، فانهزم يوسف هزيمة لم ير بعدها جدا مقبلا، ولا حدا إلا مقللا، ودخل الداخل قرطبة، وحل بها صدر المرتبة، ثم كان آخر أمر يوسف بن عبد الرحمن مع عبد الرحمن أنه انتظم في جنده، وارتطم بالأرض خضوعا تحت بنده.