همّة هشام، ولما مات أبوه عبد الرحمن حتى ذكره، وحني من ورق الحديد الأخضر نصره، ونازعه أخواه، فلم يجدا في قوسه منزعا، ولا في قوله الفصل مطمعا، حتى أتاه الأمر طائعا، ووافاه سرير الملك وقد مد عنقه خاضعا، واستهل ذلك الجو سحابا دوى الأوام، واستقل في ذلك الأفق بدرا ينجاب عنه الظلام، وجرت له أمور، ووجبت عليه نذور لموافقة السعادة لمراده، ومؤازرة النصر لأمداده، ومساررة الصواب لنجوى فؤاده، فكان لا ينقض إبرامه مريرته، ولا ينقل مرامه عن الحسنى سريرته، فكان يعد من خير أملاكهم حظا سعيدا، ولفظا سديدا، تسع الدنيا همّة العوال ويجمع النعماء بعض ما تهبه من النوال، وكان على هذا كله تقي الورع، نقي المجتمع، لا تحضر مجلسه الغيبة، ولا تحل ملبسه الريبة، مع رأي أسد من السهم نفاذا، وأشد من الوهم بالضمير ملاذا، وكان أبوه عبد الرحمن بن معاوية يحضره مشورته، وينظره من الرأى صورته، وربما تكلم بين يدي أبيه فقال صوابا، وقاس الأمور على أشباهها فبرع جوابا، ولهذا كان أبوه يقدمه ويثقفه تثقيف السمهري ويقومه، ويؤاخذه في الأمور وما يريد إلا أنه يبصره ويفهمه.
حكى صاحب المقتبس ما مضمونه، أنه كان عند وفاة أبيه عبد الرحمن بمدينة باردة، وكان أخوه بمدينة طليطلة، وكان أخوهما عبد الله البلنسي حاضرا بقرطبة، فشهد موت أبيه دونهما، وشد الأمر بعده، وبادر بالكتابة لأخيه هشام، يعلمه أن أباه مات وعهد إليه، وحثه على البدار نحوه، فخرج من فوره إلى قرطبة، وتسلم الملك، وبويع على الإمارة، وكان أول من بايعه أخوه عبد الله على زعل نواه، وغلّ بين جوانحه طواه.
وحكى محمد بن حفص: أنه لما انكشف وجه هشام من غمة حروبه مع أخويه سليمان وعبد الله [ص ٣١١] صفت له الأندلس جميعا، واجتمع له