الهالك هنالك، واللحاق بقرطبة مسرعا، والسباق إليها قبل أن لا يجد موضعا، فقال: هيهات أن أتدنّس بهذه الدنيّة، وأتلبّس بقبح هذه المزية، ثم سار ومعه جثّة أخيه على أتانه، واستقام أمره على هناته، ودخل قرطبة وصلى [ص ٣٢٢] على أخيه بها، وأودع ذهبه المكنوز في تربها، ودفنه في القصر بالروضة مقبرة الخلائف، ومأثرة تلك اللطائف، ثم بويع البيعة التي استقامت له على ظلعها، واستدامت على ولعها، وأخذ في حسم أدواء الخلاف، وحصد رؤوس منهم أينعت لقطاف «١» ، وكان أمر الفتنة قد استحكم واستفحل داؤه فلم، يحسم، وكثرت على مثل أولئك وأشباههم، وكبرت منها كلمة تخرج من أفواههم، فأعيا سقمها الطبيب المداوي وأعدى فيها ذا الرشد الغاوي، ويتيح لها في كل نائحة نائح، إلا أنه العاوي، ونضنض أفعى «٢» ، إلا أنه مما لا يدخل في سلة الحاوي.
وذكر صاحب المقتبس عن الرازي عن أبيه قال: كانوا يعدون عبد الله من أصلح خلفاء بني أمية بالأندلس، وأمثلهم طريقة، وأتمهم معرفة، وأمتنهم ديانة، كان يتهجد بالليل، ويقوم ليالي شهر رمضان بالنافلة مع الأئمة المرتبين لها بالمسجد الجامع، وكانت نيته في ذلك نية المخبت «٣» الورع الراغب في الخير.
حكي عن بعض الفتيان الخاصة أنه كان كثير التلاوة للقرآن، متأثرا على درسه، محبا لمن حفظه، قال: وكان لا يقدم أمرا ولا يؤخره، إلا عن مشورة أهل العلم والفقه. قال أبو صالح أيوب بن سليمان: أنه كان متصرفا في فنون العلم، محققا للسان العرب، بصيرا بلغاتها وأيامها، حافظا للغريب، آخذا من الشعر