ثم تمت له المبايعة، وانقادت له أهل قرطبة بأنفس طائعة، ونخوة أحماها ما كانت بالكف قانعة، وبالصغار تحت غاء الذل مصانعة.
وقد حكى صاحب بلغة الرفاء أنه تلقب أولا بالمستعين، ثم تلقب بالظافر بحول الله، وأنشد قول هارون الرشيد رحمه الله:
[الكامل]
ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه قوين أعز من سلطاني
فقال سليمان المستعين:
عجبا يهاب الليث حدّ سنان ... وأهاب لحظ فواتر الأجفان
وأقارع الأهوال لا متهيبا ... منها سوى الإعراض والهجران
وتملكت نفسي ثلاث كالدّمى ... زهر الوجوه نواعم الأبدان
ككواكب الظلماء لحن لناظر ... من فوق أغصان على كثبان
هذي الهلال وتلك بنت المشتري ... حسنا وهذي أخت غصن البان [ص ٣٣٣]
حاكمت فيهن السلوّ إلى الصبى ... فقضى لسلطان على سلطاني
فأبحن من قلبي الحمى وثنينني ... عن عز ملكي كالأسير العاني
لا تعذلوا ملكا تذلل في الهوى ... ذلّ الهوى عز وملك ثان
إن لم أطع فيهن سلطان الهوى ... كلفا بهنّ فلست من مروان
قلت: وخلا المستعين هذا يوما بلذاته، واقتصر على لداته، وقد برز الجو في ممسك طرازه قوس قزح، والنور قد قلد جنده من لؤلؤ الطل سبح، وقد مد الغمام ستارة طرزت رفرفها البروق، وطرفت جانبي يومها كؤوس الصبوح