حللها الموشية، وسعد بها هذا الجنس لما نسبت إليه، وحمد لّما كان النّسب يصحّ أن يطلق عليها وعليه، وفخر كلّ حبشيّ لكونها تعدّ منه وهو من أعدادها، وتطاول حتى موّه عليها بالشبه، وأخذ في وجهه محاسن التخطيط من خطّ سوادها، فكأنها نار ترفع في الليلة الظّلماء لها لهب، فتوقدت شعلها إلا ما اعتلق به الليل من العرف والناصبة والذّنب.
ومن حصير ما منها إلا من بيت العرب، وما فيها إلا ما يهتدي إلا إلى الهرب، كأنها إليه ظلّ دائب أو علاها رحيق سحائب، أو ألقى عليها زبرجد، أو أبقي منها أثر شعاعة مهنّد، قد أفادتها الجباه نضرتها، والشّفاه من كثرة التّقبيل خضرتها، وبدت ولا هي بيض ولا جون، وغدت تنتشي وما قطعت بها عناقد النواصي ولا عصرت من أعطافها ابنة الزّرجون «١» .
ومن بلق كرام ما قعدت بها هجنة، ولا بعدت عن شبهين أخذت من كلّ منها حسنه، لا كما يقال إنّ الطبيعة قصّرت في إنضاجها، ولا إنّ حسنها كلّه ذهب في ديباجها، بل كلّ منهما علم على صاحبه يعرف به إذا ركبه، ويحلف أنه اقتاد الروض وتوقّل منكبه.
منها ما يقابل بين صباح وظلام، ومنها ما ماثل بين البياض والحمرة خدّ غلام، فأما الأول فقد طلع منظرا حسنا، وجمع بين ضدين لما اجتمعا حسنا «٢» ، كأنه توليع السّحب وترضيع السّخب، أو قطع ليل يهزّ بالشهب، أو نقع (٤٠) حرب ظهر في وجوه لمعان القضب، في كلّ منهما ما أظلم وما أنار «٣» ، وما أظلّ جانبي الأرض ففي وقت واحد في هذا ليل وفي هذا نهار، وأما الثاني فكأنّه اختلاط ماء وراح، واختلاف مجاري شفق على صباح، لا