للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلم من مرورها على النقائع الوخمة «١» ، وأصول الشجر العفنة.

وأما تركستان فمملكة لو انفردت لكانت ملكا كبيرا، وسلطنة جليلة، زهرة الدنيا، وطراز الأرض، بلاد الترك حقيقة، من كناسها رتعت غزلانها، ومن غاباتها سرحت ليوثهم، وهي أقليم فسيح المدى قديمة الذكر، منشأ حماة، ومشب كماه، وهي المرادة بقولهم بلاد الأتراك، ولم تزل الملوك تلحظها لإتقاء بوادرها، والتقاء زواخرها، فأشد ما نكرت الأيام معالمها، وغيرت الغير أحوالها، ولقد صادفت حدة التتار في أول التيار، فجاءت قدامهم في سورة غضبهم، ولفحة نارهم، وأمالت السيوف حصائد آجالهم، ولم يبق إلا من قل عديده.

حكي لي من رجال في رساتيقها [١] وجاز في قراها أنه لم يبق من نعالها إلا رسوم دائرة، وأطلال بالية على البعد «٢» القرية مشيدة البناء مخضرة الأكتاف فيأنس لعله يجد بها أنيسا ساكنا، فإذا جاءها، وجدها عالية البنيان خالية من الأهل والسكان، إلا أهل العمد، وأصحاب السائمة، ليست بذات حرث ولا زرع، وإنما خضرتها مروج أطلقها باريها، وبها من النباتات البرية لا يذرها باذر، ولا زرعها زارع، ويوجد بها خلف من بقايا العلماء، ويجري التيمم بالترب لعدم الماء.

وأما الشاش [٢] فمقدار عرضها مسيرة يومين في ثلاثة أيام، وليس بخراسان ولا ما وراء النهر أقليم صغير على قدرها في صغر المساحة، أكثر منها منابر وقرى عامرة، وقوة شوكة، وهي في أرض سهلة ليس بها جبل ولا أرض مرتفعة حزقة هي أكثر نفر، وأبنيتهم من طين، وعامة دورهم تجرى فيها المياه، وكلها مستترة بالخضرة، ولها مدن كثيرة تتدانى وتتقارب مسافتها.


[١] قراها.
[٢] الشاش: هي جاج من أعمال أشروسنة (آثار البلاد ٥٤٨- تاريخ بخارى لفامبري ٩٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>