مثل سرّه، بسيرة زينها العفاف فما تدنست صحف أيامها وأقنعها الكفاف، فما رأت ما زاد عليه إلا من آثامها، وقد عادت دمشق به معمورة الندية، مأثورة الأنحية، باهرة العلماء، ظاهرة بزينة نجوم السماء، ماضية على منهج القدماء، قاضية على سواها بأن العلم فيها بالحقيقية وفي غيرها بالأسماء، وها هو اليوم- والله يبقيه- خير من أظلته خضراؤها، وصغرت لدى قدره الجليل كبراؤها، قد ملك أهواء القلوب المتنائية، وساق بعصاه سوائم شرّدها المتقاصية، واستوسق به أمر الشام لعليّ وكان لا يطيع إلا معاوية، مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة وسمع من الحافظ أبي محمد الدمياطي وطبقته، وبالثغر من يحيى بن الصواف وأقرانه، بدمشق من ابن مشرّف وابن الموازيني، وبالحرمين «١»
، وكانت رحلته إلى دمشق سنة سبع وسبعمائة، وقرأ الروايات على تقي الدين الصائغ، وصنّف التصانيف المتقنة، انتهت إليه رئاسة العلم في القراءات والحديث والأصلين والفقه، وخرج له الإمام شهاب الدين الدمياطي «٢»
معجما كبيرا، وقصده به بدمشق، فحدث به بالكلاسة من جامع دمشق بحضره الحافظين أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي وجماعة من أعيان العلماء (ص ٣٣٠) وأنشدني له تذييلا على قول عبد القاهر الجرجانيّ: [الوافر]
طلبت من الحبيب زكاة حسن ... على صغر من القمر البهيّ
فقال وهل على مثلي زكاة ... على رأي العراقيّ الكميّ
فقلت: الشافعي لنا إمام ... وقد فرض الزكاة على الصبيّ