حتى نفضت كواكبهم عن مقلها الكرى، ورفضت سحائبهم إلا مواصلة السرى إلى أن كثر العلم وطالبه، وعدّ ذو الفضل وصاحبه، بكرم لله درّه ما أغزره، وجود ما أقل لديه جدا البحر وما أنزره، لو عاصره حاتم وهو (ص ٣٢٨) في الكرم لما ذكره، أو كعب بن مامة «١»
وقد سمع حتى يخص جناحه لما شكره، بندى يغص به البحر شرقا، ويتفصّد جبين السحاب عرقا، ويتهيبه البرق فترتعد فرائصه فرقا، ويخشى صوائبه الرعد فيتعوّذ ولا تنفعه الرقى، هذا كله وهو بعض ما في كرم سجاياه، وأقل ما في كثير مزاياه، هذا إلى جبين كالهلال، ووقار عليه سيماء الجلال، وأدب أعذب في القيل من الماء الزلال، وأطيب في المقيل من برد الظلال، بنوادر أحرّ من الجمر، وألعب بالعقول- استغفر الله- من الخمر، حذا على طريق سلفه العرب ما قصّرت عن مداه الأوائل، واستجدت من نداه النائل، وطرّف علمه منه بمقدار ما أعانه على التفسير الذي أسكت عارضة كلّ قائل، وغير هذا من انتزاع المثل وإقامة الدلائل، ثم سرح إلى حيث يسرح الطرف ويذوب الظرف، ويلمّ بنادي المتيميّن، وينزل بوادي سّلف أهل الصبابة المغرمين، ويخالط تلك العصابة في كيسها، ويذكر حديث ليلى وقيسها، لطائف لو أنها لأهل ذلك الزمان السالف لما قالوا الأسمار إلا في طرائف طرائفها، ولا قالوا في سمرات الحيّ إلا في ظل وارفها، ولا زادوا من ربيع ابن أبي ربيعة إلا بعض زخارفها، ولا عدوّا جميلا إلا ما نشر من فضل مطارفها، ولا رجعوا عنها إلى مذهب جرير في أوبة، ولا ختموا غزل الأناشيد بتوبة، كل ذلك تطرّف أدب غض الجنى ليس منه إلا إطراب السامع، وتنويع مالا إثم فيه إذا قيل في فضله الجامع، هو والله الجامع الذي لا تضاهى بيوت عبادته المساجد، ولا تساهر مقل قناديلها (ص ٣٢٩) طرفة الهاجد، ولا تضم ضلوع محاريبها مثل صدره، ولا يشتمل أحناء عقودها