وبسطني، وتلطّف بي، وقال أنشدني، فأنشدته من عيون أشعار أحفظها، جاهلية. فقال:
قد عرفت أكثر هذه، وأريد من ملح الشعر، فأنشدته فضحك وطرب وزاد بساطا. ثم دخل رجل في زيّ الكاتب، وله هيئة خشنة، فأجلسه إلى جانبي. وقال له: تعرف هذا؟ فقال:
لا، فقال: هو أبو عبيدة، علّامة أهل البصرة، أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل، ثم التفت إليّ، وقال لي: كنت إليك مشتاقا، وقد سألت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرّفك إياها، فقلت: هات، فقال «١» : قال الله تعالى: «طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ «٢» »
، وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف. قال: فقلت: إنّما كلّم الله تعالى العرب على قدر كلامهم، أما سمعت كلام امرئ القيس:[الطويل]
وهم لم يروا الغول قطّ؛ ولكنّه لمّا كان الغول يهولهم أرعدوا به، فاستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل. وأزمعت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن لمثل هذا وأشباهه، ولما يحتاج إليه من علمه. فلمّا رجعت إلى البصرة عملت كتابي الذي سميته (المجاز) ، وسألت عن الرجل فقيل لي هو من كتّاب الوزير وجلسائه.
وقال المازني: سمعت أبا عبيدة يقول: أدخلت على الرشيد فقال لي يا معمر بلغني أنّ عندك كتابا في صفة الخيل، أحبّ أن أسمعه منك، فقال الأصمعي: وما نصنع بالكتب؟
يحضر فرس، ونضع أيدينا على عضو عضو منه، ونسميه ويذكر ما فيه. فقال الرشيد:
يا غلام. فرس. فقام الأصمعي، فجعل يده على عضو عضو منه، ويقول هذا كذا، قال فيه الشاعر كذا، قال فيه الشاعر كذا حتى انقضى قوله. فقال لي الرشيد ما تقول فيما قال؟
قلت: أصاب في بعض وأخطأ في بعض، والذي أصاب فيه متى تعلّمه، والذي أخطأ فيه ما