أدري من أين أتى؟ وزعم الباهلي «١» أن طلبة العلم كانوا إذا أتوا مجلس الأصمعي اشتروا البعر في سوق الدّر، وإذا أتوا مجلس أبي عبيدة اشتروا الدرّ في سوق البعر؛ لأنّ الأصمعي كان حسن الإنشاد والزخرفة، رديء الأخبار والأشعار حتى يحسن عنده القبيح، وإن الفائدة عند ذلك قليلة. وانّ أبا عبيدة كان معه سوء عبارة مع فوائد كثيرة وعلوم جمّة، ولم يكن أبو عبيدة يفسّر الشعر.
قال المبرد: كان أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري أعلم من الأصمعي وأبي عبيدة بالنحو، وهما بعده يتقاربان، وكان أبو عبيدة أكمل القوم، وكان ابن المديني يحسن ذكر أبي عبيدة، ويصحّح روايته، ولا يحكي عن العرب الشيء الصحيح، وحمل أبو عبيدة والأصمعي إلى الرشيد للمجالسة، فاختار الأصمعي؛ لأنه كان أصلح للمنادمة وكان أبو نواس يتعلم من أبي عبيدة، وينصفه وينسى الأصمعي ويهجره، فقيل له: ما تقول في الأصمعي؟ فقال: بلبل في قفص. قيل: فما تقول في خلف الأحمر؟ فقال: جمع علوم الناس وفهمها. قيل: فما تقول في أبي عبيدة؟ فقال: ذاك أديم طوي على علم، قال عن تصانيفه تقارب مئتي تصنيف.
وقال أبو عبيدة: لمّا قدمت على الفضل بن الربيع، قال لي: من أشعر الناس؟ قلت:
الراعي «٢» . فقال: كيف فضلته على غيره؟ فقلت: لأنه ورد على سعيد بن عبد الرحمن الأموي، فوصل في يومه الذي لقيته فيه، فقال يصف حاله معه؟ [الوافر]
وأنضاء «٣» تحنّ إلى سعيد ... طروقا «٤» ثمّ عجّلن ابتكارا