منّ الله على هذه الأمة بأربعتهم في زمانهم بالشافعي يفقه بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وبأحمد بن حنبل ثبت في المحنة، ولولاه كفر الناس. ويحيى بن معين «١» نفى الكذب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وبأبي عبيد القاسم بن سلام فسّر الغريب من حديث رسول صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك لا قتحم في الخطأ. وكان أبو عبيد قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء، فثلثا ينام وثلثا يصلّي وثلثا يطالع الكتب، وصنّف كتبا كثيرة في القرآن والفقه وغريب الحديث وغريب المصنّف والأمثال ومعاني الشعر، وغير ذلك نحو بضعة وعشرين كتابا. وقال الفسطاطي: كان أبو عبيد مع عبد الله بن طاهر فوجّه إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد منه شهرين، فأنفذ أبا عبيد إليه فأقام شهرين، فلمّا أراد الانصراف وصله أبو دلف ثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: أنا في جنّة ما تحوجني إلى صلة غيره، ولا أجد ما فيه على نقص، فلمّا عاد إلى ابن ظاهر وصله بثلاثين ألف دينار بدل ما وصله أبو دلف، فقال له: أيها الأمير قد قبلتها منك، ولكن قد أعييتني بمعروفك وبرّك وكفايتك عنها، وقد رأيت أن أشتري بها سلاحا وخيلا، وأوجّه إلى الثغر؛ ليكون الثواب متوفرا على الأمير ففعل. قال البخاري: مات أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومئتين، وقال غيره سنة ثلاث وعشرين بمكة، وقيل سنة ثلاثين في خلافة المعتصم.