فيتكلمون في النحو، فقال الخليل: لا بدّ لهم من أصل، فوضع العروض، وخلا في بيت ووضع بين يديه طستا، وما أشبهه، وجعل يقرعه بعود، يقول: مستفعلن فاعلن فعولن، فسمعه أخوه، فخرج إلى المسجد، فقال إن أخي قد أصابه جنون، وأدخلهم وهو يضرب الطست، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن مالك، أصابك شيء، أتحب أن نعالجك؟ فقال: وما ذاك؟ قالوا: أخوك يزعم أنك قد خولطت، فأنشأ يقول:[الكامل]
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنّك جاهل فعذرتكا
ويروى أن ابنه فعل ذلك.
قال ابن خلكان: كان إماما في علم النحو، وهو الذي استنبط علم العروض، وحصر أقسامه في خمس دوائر، يستخرج منها خمسة عشر بحرا، وزاد فيه سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط بحرا سمّاه الخبب، وهو المتدارك. وقيل إن الخليل دعا بمكة أن يرزق علما لم يسبقه إليه أحد ولا يؤخذ إلا عنه. فلما رجع من حجّه فتح عليه بعلم العروض وكانت له معرفة بالإيقاع والنغم «١» .
وقال حمزة بن الحسين الأصفهاني «٢» في حقه: وبعد فإن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم الذي لم يكن لها عند علماء العرب أصول من الخليل، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض، الذي لا عن حكيم أخذه، ولا عن مثال تقدمه احتذاه إنما اخترعه من ممرّ له بالصفارين من وقع مطرقة على طست، ثم قال: فلو كانت أيامه قديمة ورسومه بعيدة لنسك فيه بعض الأمم لتصنيفه مالم يصنفه أحد منذ خلق الله الدنيا. قال ابن خلكان:
وكان الخليل رجلا صالحا عاقلا حليما وقورا ومن كلامه: لا يعلم الإنسان خطأ معلّمه حتى يجالس غيره.