وقال تلميذه النضر بن شميل: أقام الخليل في خصّ من أخصاص البصرة، لا يقدر على فلسين وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال. ولقد سمعته يوما يقول: إني لأغلق بابي فما يجاوزه همي. وكان له راتب على سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة، وكان والي فارس والأهواز، فكتب إليه يستدعيه، فكتب الخليل إليه: [البسيط]
أبلغ سليمان أنّي عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذامال
سخّى بنفسي أنّي لا أرى أحدا ... يموت هزلا ولا يبقى على حال
والرّزق في «١» قدر لا الضّعف ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
والفقر في النّفس لا في المال نعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النّفس والمال
فقطع سليمان عنه الراتب فقال الخليل: [السريع]
إن الذي شقّ فمي ضامن ... للرزق حتّى يتوفّاني
حرمتني مالا قليلا فما ... زادك في مالك حرماني
فبلغت سليمان فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل معتذرا إليه، فقال: [البسيط]
وزلّة يكثر الشّيطان إن ذكرت ... منها التعجّب جاءت من سليمانا
لا تعجبنّ لخير زلّ عن يده ... فالكوكب النّحس يسقي الأرض أحيانا
وأنشد ولم يذكر لنفسه أو لغيره: [الطويل]
يقولون لي: دار الأحبّة قد دنت ... وأنت كئيب إنّ ذا لعجيب
فقلت: وما تغني الديار وقربها ... إذا لم يكن بين القلوب قريب «٢»
وتوفي بالبصرة سنة ستين ومئة، وقال ابن الجوزي سنة ثلاثين ومئة، وهو غلط ولكن نقله الواقدي. وكان سبب موته أنه قال: أريد أن أقرّب نوعا من الحساب تمضي به الجارية إلى