وكبيرهم قدرا، ورحيبهم صدرا. قد غلبت عليه سمة ملك النحاة، وشهدت بفضله ألسن خلّانه، والعداة. سمح البديهة في المقاصد النبيهة. كثير الأبيّة «١» عن المطامع الدنيّة بالمطالب النزيهة، والمراتب الوجيهة. ولقد كانت تحاببه تحبيبة للنحاة بضاعة وافية، وبراعة براعته للكفاة كافية. يأخذ القلم فيمشق الطرس في عرضه نظما يعجز، ونثرا يعجب ونكتا ترقص ونتفا تطرب. طرق بلاد العجم، ولقي كرما [في] كرمان، ووصل إلى أصبهان. وكان مطبوعا مناسب الأحوال والأعمال. تحكم على أهل التمييز بحكم ملكه، فيقبل ولا يستثقل.
يقول: هل سيبويه إلا من رعيتي وحاشيتي، ولو عاش ابن جني لم يسعه إلا حمل غاشيتي «٢» ، مرّ الشيمة، حلو الشتيمة. يضمّ يده من الذهب على المئة والمئتين، ويمشي منها وهو صفر اليدين. مولع باستعمال الحلاوات السكريه. وإهدائها لجيرانه وإخوانه، مغرى بإحسانه إلى خلصائه وخلّانه. وقد ناهز الثمانين، ولقي العرانين «٣» . وجرّب الغثّ والسمين، وقد وصلت إليه خلعة مصرية وجائزة سنيّة، فأخرج القميص الدّبيقي «٤» إلى السوق فبلغ دون عشرة دنانير.
فقال: قولوا هذا قميص ملك كبير، أهداه لملك كبير؛ ليعلم الناس قدره فخلّوا عليه البدر على البدار «٥» ، وليحلوا قدره في الأقدار، ثم قال: أنا أحقّ به إذا جهلوا حقّه، وتنكّبوا سبل الواجب وطرقه.
قال العماد الكاتب: كتب إلي لمّا أخذت المدرسة بدمشق: أنا أهنئ تلك المدرسة