وحكي أن ملك النحاة كان يكثر ذكر مصر، ويؤمل حلولها، ويودّ أن يطلّ دمه ويروي طلولها. وكان بها رجل اسمه زيد صديقا لعرقلة الدمشقي فولي بها الحسبة «٤» واستغرر في متاجرها كسبه، وأتت الأخبار بروايته وحصوله على أكثر من كفايته. فداخل ملك النحاة له الحسد. وقال: لو أتيت مصر لكسد.
فقال عرقلة:[مخلع البسيط]
قد جنّ شيخي أبو نزار ... يذكر مصر وأين مصر
والله لو حلّها لقالوا ... فقاه «٥» يا زيد فهو عمرو
ووقف يوما عرقلة على حلقته وقد كبّر العمامة، وطوّل أكمامه ونفش سباله وفتل من شواربه الطوال حباله. وأخذ في ذكر علم النحو، وقد شمخ يماريه الاحتيال به والزهو.
فطلب عرقلة رجلا من الحلقة، فلما أتي جذبه على أنه يسرّ إليه في مقال، ثم رفع صوته وقال:[مجزوء الرّجز]
قل لابن صافي الحمل ... سارق علم الجمل
صدعت بالنّحو الورى ... ارحم عيال الدؤلي «٦»
توفي يوم الثلاثاء، تاسع شوّال سنة ثمان وستين وخمسمئة.