عليه ويأخذ من عرضه، وشيخنا لا يجيبه عن ذلك؛ لورعه ودينه.
وكان خبيث اللسان سيّئ العقيدة، مقيما على شرب الخمر. يتمثل إذا أخذ منه السكر:
اليوم خمر وغدا أمر. هجّاء لكل من صحبه. لم يحسن أحد إليه إلا وقابله بالإساءة. كثير الاستهزاء بالأمور الدينية، كثير الخلطة لأوباش الناس والشرب معهم. رحل في صحبة أبي إسحاق إبراهيم بن عبد السلام إلى السلطان أبي المظفر يوسف بن أيوب، فمدحه فأحسن صلته. ولمّا وصل إلى الموصل تنكّر له صاحبها أبو الفتح مسعود بن مودود. فلمّا ولي ولده أبو الحرث أرسلان بن مسعود أحسن إليه، وولاه بعض أعماله. وكان يحضر مجلس شرابه، فنقل إليه أنه هجاه فلم يصدّق ذلك لعدم الموجب له. فاتفق أن أمر بإحضاره وسأله عن ذلك، فأنكر، فأمر بضربه بالدّرة، فلما ضرب سقطت ورقة من عمامته، فيها الهجو الذي نقل عنه، فشهره في الموصل بأسرها، وحلق لحيته وحبسه، فأقام مدّة طويلة. وولد له بالحبس ولد وتوفي، كما ذكر المواصلة «١» محبوسا.
قال ابن المستوفي: وحدثني أبو المهنّد سيف بن محمد الزيلعي قال: نزل بي إنسان بدوي، كان حبسه أتابك، أبو الحرث لمّا أسره مع من أسر من العرب في وقعة كانت له عليهم. قال: رأيت في محبس الموصل رجلا فاضلا شاعرا، فسألته عن سبب حبسه، فذكر أنه حبس لهجو بلغ عنه الأتابك. قال: وو الله ما هجوته؛ وإنما قلت قصيدة منها:[البسيط]
أعيذ مجدك من قدم أقول له ... إني زهير ولكن ليس لي هرم
فحبسني كما ترى.
ومن شعره قوله:[الكامل]
طربا أقول إذا الحمام ترنّما ... عيش لنا بالأنفقين تصرّما
قصرت مسافته فكان كزائر ... وافاك في سنة الرّقاد مسلّما
أشكوتنا عدة تعيّن كلّما ... نهنهت فيض دموعها فاضت دما