للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كن معدما ومن المعالي مقربا ... من جدّ في العلياء أصبح معدما

واسمع أقامت في جنابك دولة ... يخشى لها البؤسا ونرجو الأنعما

مدحا كنور بات يصقله الندى ... ليلا وباكره النسيم مهينما «١»

غرّا كريم الأيد غير مصونها ... إلا إذا ألفت أغرّ مكرّما

ما صافحت فكر الفصيح ونطقه ... إلا أعادته عييّا مقحما

لو شام رونقها الوليد جفالها ... أمحلّتي سلمى بكاظمة اسلما

واسلم ليسلم كلّ مجد إنّه ... لن تسلم العلياء حتى تسلما

شرّفت أبكار القوافي مثلما ... شرّفت دهرا كنت فيه القيّما

قال ابن المستوفي: نقلت من أوّل مجموع بخطّه ما صورته: لمّا أنفذ الله سبحانه وتعالى في سهام قضائه، وامتحنني في الدنيا ببلائه، ونظمني في سلك من غبر من أوليائه، ومن اجتباه من أنبيائه وأصفيائه الذين أنطق بمدحهم كتابه وأجزل لهم ثوابه. فقال: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ «٢» »

، مدّت إليّ الأيّام باعها، وقرتني الأجداف ذراعها، وأدارت على كأس مدامها، وغرّتني بابتسامها؛ فلم أفق من نشوتها ولا فقأت خمّار خمرتها ألا وقد بدّلت بكل قريب بعيدا، وبكل وصل صدودا. وأصبح السجن لي منزلا أهلا، والأشجان لي مناهلا؛ حتى رمقتني من الله عين رحمته، وكنفتني ظلال رأفته، فأتاح لي جليسا، جعل الله بوحشة السجن به آنسة الربع والمربع، ومقر متارعه عذبة المكرع.

يقصر الخاطر عن تعداد معاليه، ويقصر النطق عن إظهار معانيه. وما محاسن شيء كلّه حسن؟

فاقترح عليّ أن أجمع تذكرة ممّا يمليه الخاطر عليّ، ونسخ به إليّ، تكون له، إن منّ الله تعالى علينا وعليه بفكاك الأسر؛ لمذاكرة أيّام البؤس، والزمن العبوس؛ ليواصل حمد الله سبحانه على ما انجاب من غمامها، وانجلى من ركامها. فأجبته إلى ذلك بصدر غير منشرح، وقلب غير فرح، والثغر يفتر، والأحشاء تحترق، والله المستعان وإليه الشكوى من كلّ بلوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>