وهو حسبي ونعم الوكيل. فانجدر ما يبتدي به ما يغنينا من وصف حالنا، وهو ما يقال في السجن قد قيل: إنّ السجن محكّ العقول وتجربة المأمول. به يمتحن الصبر من الأحرار، ويكشف العقل والوقار. وألطف ما قيل فيه قول بعضهم، وهو معلقة:[البسيط]
السّجن أصبح مثل النار مضرمه ... والحرّ فيه إذا فكّرت كالذهب
يصلى بنار هموم في جوانحه ... تنفي المآثم من حسد ومن لغب «١»
وبشعره أبيات ابن الجهم «٢» بين الناس لم يذكرها، وهي قوله:[الكامل]
قالوا حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأيّ مهنّد لا يغمد
ولمعلقه:[البسيط]
لا عار في السجن للأحرار إن سجنوا ... لغير جرم ولكن سجنهم شرف
فإنّ آل رسول الله كان لهم ... منه نصيب ولم يجنوا ولا اقترفوا
كالسيف والدرّة الزهراء سجنهما ... خوفا وضنّا بها الأغماد والصدف
قال: وكتب: بعض الأوقات منضجعا في علوّ، كنت آوي أيّام سجني بقلعة الموصل، وإذا بحمامة تهتف في أعلى ذلك الموضع، فعرض لي طرب حزن، وجدت منه راحة بالبكاء.
فقلت: لله درّ غيلان «٣» كأنه أوحى إليه قوله: [الطويل]
فإنّ انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل «٤»
فعملت أبياتا، وهي:[الكامل]
وحمائم غنيّن في رأد الضحى ... طربا فقلت مقالة المحزون