وضاه، وبيد طغاته رطى «١» الأثمان وشباه «٢» ؛ حتى أصبح وارف زرعه غثاء، وأمسى أنس ربعه قواء «٣» صلى الله عليه وعلى آله غدوة ومساء، صلاة يبلغهم بها من النعيم المقيم أملا، ويحقّق لهم رجاء.
أيها الناس جدّوا في الطاعة قبل تعذّر الاستطاعة، وجذّوا حبائل الأطماع بمدى القناعة.
فكم أطلعكم الدهر تقلّبه على الحقائق فاغفلتم اطّلاعه، وكم أسمعكم لسان حوادثه أبلغ المواعظ لو وعيتم إسماعه! فيالها غفلة شاملة، وأمنية باطلة وأطماعا كاذبة. وآمالا خابية وقلوبا عن العظات لاهية، وأسبابا من التعلّلات واهية، فوجهوا رحمكم الله إلى جهة الاعتبار عيون أفكارهم، وانبوا إلى تأمل الإشارات عنه أسماعكم وأبصارهم؛ فإن من استمع بخطوب الأيام غني عن خطب الأنام، ومن اقترع معالق الآثام استأذن على الانتقام.
ومن خطبة في رأس السنة:
الحمد لله الذي لا تدرك عظمته ثواقب الأفهام، ولا يحيط بمعارف عوارفه خطوات الأوهام، ولا يبلغ مدى شكر نعمه محامد الأيام. الذي طرّز بعسجد الشمس حواشي الأيام، ورصّع بجواهر النجوم حلّة الظلام، وفصّل بلجين الأهلة عقود الشهور والأعوام. أحمده على نعمه الجلائل العظام، ومننه الشوامل الجسام. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له شهادة لا ينقص لها تمام، ولا يحقر لها ذمام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله وسوق الباطل قد قام، ومحبّ الضلال قد هام، وطرف الرشد قد نام، وأفق الحقّ قد عام. فجرّد سيف العزم وسام «٤» ، وعنّف على الغي ولام، واقتاد الخليفة إلى السعادة بكل زمام. صلى الله عليه وعلى آله الخير الكرام، صلاة لا انفصام لمسابغها ولا انفصام.