للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله:

اغتنموا أيام المهل قبل انقراضها. وداووا سقم النفوس بذكر هجوم الأجل قبل استحكام أمراضها، وروّضوها عن جماحها في الشهوات فإنّه لا نهاية لأعراضها. واعملوا ليوم لا يجزي فيه والد عن ولده ولا مولود عن والده. ولا محيد لمن غلبت عليه الشّقوة عن مناهل عذابه وموارده، وابتهلوا إلى ربّكم في أوقات البركات؛ فما حرم فيها من قصده بركة مقاصده.

ومنها الخطبة التي خطب بها أول جمعة أقيمت بالجامع السيفي يشكر كافل الممالك الشامية، وهي:

الحمد لله منشئ أصناف الأمم وصانعها، ومؤلف أشلائها بعد العدم وجامعها، ومنطق جوارحها بما اخترجت وسامعها، وباعث هممها على الخير ووازعها «١» ، ومجري سوابق آمالها في ميدان آجالها، نحو مطامع مطامعها الذي أجزل مواهب السعادة لمن شيّد بيوت العبادة، وشكر صنيع من قدح بالإحسان زناده؛ فوعده الحسنى وزيادة. وفضّل بقاع الأرض بعضها على بعض، فاعل في الشرف محلّها، وناط بها أسباب السيادة فاتخذها صالح عباده معاهد للعبادة. فطوبى لمن حلّها، وادّخر من القرب نفائس يحق في مثلها التنافس، ثم وفّق لها قوما كانوا أحقّ بها وأهلها.

أحمده على ما أسبغ من نعم زكت مغارسها فصفت ملابسها، وأولاه من منن صيغت مشارعها فنمت مراتعها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. شهادة أحكم الإخلاص بالقلب معاقدها، وصفّي من شوائب أكدار الشكوك مواردها، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، والكفر مخصبة مراتعه أهله بالأشقياء مرابعه، قد مدّ في الأرض خطاه، وتجاوز الحدّ في الطغيان وتخطّاه. فلم يزل صلى الله عليه وسلّم يهيج بنانه بجنوب الحق

<<  <  ج: ص:  >  >>