للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحط في مفارق النسر ركائبه، وعندما تمت أخلاقه الحميدة، وكملت والتحفت به هذه الأوصاف الجميلة واشتملت؛ رام أن يأخذ حبل السعادة بطرفيه، ويجمع بين محاسن الجدّ والهزل ليحصل من السعد على شرفيه، ولم يزل يقلّب طرفه في محاسن لهو برنصيه «١» ، ويدير فكره فما يصلح له فيقتضيه؛ إلى أن شهرا كذا من سنة كذا فعمد إلى نيته المقبولة فأمضاها، ولم تكن إلا حاجة في نفس فلان قضاها. فخرج وقد أرجت نوافح المسك الأذفر «٢» ، وماست معاطف الزند الأخضر. والأنهار مطردة بمائها، والأطيار غردة بغنائها إلى مظان الطير الجليل ومكامنه. وطلب كمل يطلب الخير من معادنه، واستصحب معه من الرماة الأزكياء السادة الأذكياء، كل صادق القول زكيّ الفعل كثير الإمساك قليل المثل، ممّن برز في البرزات، وأظهر من يديه خوارق المعجزات. وله الوجوه المشكورة من غير نفاق، والنكت المشهورة بين الرفاق، وقد ارتدوا ملابس الغيار، وأطلعوا من أطواقها وجوها كالأقمار، وشدّوا بالمناطق خصورا تدقّ عن الأفكار، وتقلّدوا حمائل جيوش صانت النجوم عن الأبصار. والتثموا بفضلات العمائم، واستغنوا بالخالق عن الرقى والتمائم. وقصدوا في طالع السعد والأمان دير سلمان؛ فلما أذنت الشمس بالفراق، وكادت تبلغ نفس النهار التراق استدارت الجماعة استدارة الأنامل بالأقداح، وامتزاج الأشباح بالأرواح. ودارت عليهم بالسؤال للسرور كؤوس، ومالت منهم للطرب أعناق ورؤوس؛ فلما أنفقت خطتهم، وافترقت خلطتهم انتشروا في تلك الرياض انتشار العيوث «٣» ، ووثبوا في تلك النواحي وثوب الليوث. فلله درّهم من فرسان مواكب وشجعان كتائب. إن ركبوا خلت آساد جفان، وإن ترجلوا قلت ظبا وغزلان. هذا وهو بينهم كالقمر بين النجوم، والشمس في خلال الغيوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>