يوصله إليه. وعرضت لي عوارض حال، فيها الجريض دون القريض «١» ونوائب يكفي في ذكرها العريض. ثم تمادت المدّة وطالت ودالت دول الشواغل واستطالت. ومؤدى تلك الأمانة قد شغله عنها النسيان، وأغفله عنها عدم مرورها منه على الخاطر. وكان شيخنا رحمه الله على سعة بحره يظنّ من حزازاته حتى بقدر ظفر الإبهام، ويغزو بالمطالبة لها غزو الجيش اللهام. وداخله الظنّ أنني تعمّدت تأخيرها لقصورها عن حسن أخواتها، أو لأدرجها بالمطالة تحت ذيل قواتها، فكتب إليّ: [البسيط]
منطق الخرس صبرا لا يراك أبو ... حيّان حتى يعود القارظ العنزي
حصلت في كفّ شهم لا ينال له ... غور كريم الثنا والأصل محترز
إذا استعار كتابا لا يعود لمن ... أعاده فعل أب للضّيم محتجز
حبّ الفضائل قد ألهاه لا طمع ... منه ولا يحلّ إلى نداه عزي
هذا وشيمته بذل اللهى ويرى ... إسداءه للنّدى من أعظم النّهز
اضطرّ قلبي لتأليفي لتبصره ... عيني كما اضطرّ صدر اللّبيب للعجز
ومن يقابل بالنبراس شمس ضحى ... كمن يقابل لجّ البحر بالنّزز
وقد تشوّقت للبكر التي نشأت ... من فكره طفلة «٢» ليست من العجر
فابعث بها يا إمام العصر سالمة ... وحلّها بنفيس الدرّ لا الخرز
بحر تناءى يفوق المسك نافحه ... إنّ الكرام لما قد حزت لم تحز
يسرى ثنائي في الآفاق منتهبا ... يجوز حيث الدّراري السبع لم تجز
ما فاز ذو شرف بالمدح من أحد ... إذا بمدح أبي حيّان لم يفز
ولم يمز جاهلا من عالم أحد ... إذا يكون أبو حيّان لم يمز
وقد جزيت مسيئا بالجميل فلا ... أكون ممن بسوء في الجميل جزي