للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبحر الملتطم، والسهم الذي لا يردّ إذا خرج من اليد، والسيف الذي إذا ضرب، لا يرجع حتى يفجع. والأرقم الذي لم يقبل بل أسقم. وتماديت على ناظر ما أسقطت، وإظهار الضنانة بما التقطت. فلم ألبث أن عاد رسوله إليّ مسرعا وسلّم عنه، إمّا أدى الأمانة أو قال متبرعا، ثم أخرج إليّ منه ورقة كاغد، فقرأتها، فإذا فيها: [الطويل]

أتاني من الأوراق ثنتان فلتجد ... بثالثة من كان جاد وأفضلا

بها يكمل الجزء الذي كان ناقصا ... وكم ناقص كمّلته فتكمّلا

وكم لشهاب الدين عندي من يد ... بتقبيلها كادت يدي أن تقبّلا

ومن يكن الفاروق جدّا له يكن ... لذي العالم العلوي أشرف منزلا

دعوت أمير المؤمنين لأنه ... به بدأ الإيمان واعتزّ واعتلى

فأنجله منه مشابه علمه ... وعزة نفس قد أتتّ أن تذلّلا

تجافى عن الدنيا وعن زهراتها ... وأعرض عمّا غيره كان مبتلى

فلا ذكر إلّا في علوم يبينها ... ولا فكر إلّا في القران إذا تلا

فأرسلت له الورقة المعوّزة، وتقاضيت بتجهيزها مدائحه المنجزة، وأعدت إليه الرسول على الحافر، بقصيدة تحكي صبحها السافر: [الطويل]

بقيت أبا حيّان كنزا مؤملا ... ودمت لأهل الفضل كهفا وموئلا

فأنت إمام العصر غير منازع ... ولا نازل إلّا السّماكين منزلا

سحاب الندى بحر الجدا علم الهدى ... خصيم الردى كبت العدا كوكب العلا

وأقسمت ما ضمّت شبيها لفضله ... مجاري مدار الشّهب برّا مفضّلا

إمام تقيّ ما تقدّم مثله ... أتى آخرا عصرا وقد بزّ أوّلا

عقائل تصبينا ولم تدر ما بنا ... لهان عليها أن تقول وتفعلا

أما وهواها لم أقل لصبابتي ... أما وهواها غدرة وتنصّلا

فعند رضا الأحباب جبر وديمة ... وعند العتاب الموجري متنصّلا

تألّق برقا ثم أرسل مزنة ... فخوّف أحيانا بها ثم حوّلا

أتاني قصيد منه ما السحر غيرها ... فكم غادرت لفظا لبالي مبلبلا

<<  <  ج: ص:  >  >>